من أبرز انعكاسات الحرب الروسية على أوكرانيا، هي أنها دفعت دول الاتحاد الأوروبي الى تبني سياسات تهدف في نهاية المطاف الى التخلص من الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة، أو على الأقل التخفيف منه خلال العقد المقبل. عام 2021، استوردت دول الاتحاد الأوروبي حوالي 40٪ من حاجاتها في مجال الغاز و25٪ من النفط من روسيا. ولهذا الاعتماد الكبير أثمان سياسية، إذ يمنح موسكو القدرة على الضغط على دول الاتحاد، في حين تتلكأ الأخيرة عن ممارسة ضغوط قصوى بحق روسيا. لهذا رأينا تقارير في صحف غربية مثل “ذي فايننشال تايمز” و”ذي غارديان” و”ذي واشنطن بوست”، تتحدث عن ردة فعل أوروبية حيال استغلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتماد الأوروبي على الطاقة من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو الضغط على دول الاتحاد لاحتواء رد فعلها على حرب أوكرانيا.
لكن لهذه الانعطافة في مجال الطاقة أيضاً انعكاسات على المناخ، إذ أن التخفيف من الاعتماد على الغاز خلال الفترة المقبلة يعني عملياً اللجوء الى وسائل أكثر أذية للبيئة. لهذا، يبدو أن هناك اجماعاً على أن من الصعب الالتزام بتعهدات قمم المناخ لجهة خفض المنبعثات والمهل الزمنية لها، إذ أن الطلب على الفحم الحجري سيزداد خلال الفترة المقبلة مع ارتفاع أسعار النفط والغاز على مستوى العالم.
لكن في المقابل، هناك استثمار طويل الأمد في مشاريع انتاج الطاقة المتجددة من خلال الدعم الحكومي للألواح الشمسية (لمساعدة المواطنين على تقليص الاعتماد على شبكات الكهرباء) وطواحين الهواء.
على سبيل المثال، هناك توجه في ألمانيا لمضاعفة إنتاج الطاقة البديلة (وكالة رويترز نشرت تقريراً عن توجه يقوده حزب الخضر لتمرير قانون للطاقة المتجددة). هذا يعني مضاعفة إنتاج طواحين الهواء الضخمة الحجم، وهي الآن تُقام في المحيط شمالاً. مثل هذه الجهود ستُؤدي وفقاً للمؤيدين لها الى الاعتماد بشكل كامل على الطاقة المتجددة خلال عقود قليلة. لكن هذه الصورة الوردية ليست حقيقية بالكامل، سيما أن انتاج الطاقة المتجددة لا يخلو من الاعتماد كذلك على مواد أولية، ولهذه حسابات أخرى.
مجلة “ذي إيكونومست” نشرت تقريراً لها عن القوى المستفيدة من الطاقة المتجددة، وفيه بعض المعلومات المفيدة ومنها طبعاً أن روسيا المستهدفة في هذا التوجه، هي من الدول التي يُعتمد عليها في مجال مادة النحاس المطلوبة لصناعة محرك طواحين الهواء. طبعاً، هناك بدائل قريبة وبعيدة. وهذه الدول الثرية بالمعادن ستجد مزيداً من الطلب عليها، وارتفاعاً في الأسعار والمداخيل، ما دفع المجلة الى مقارنتها بحال دول الخليج في النصف الثاني من القرن العشرينز
على سبيل المثال، التشيلي في أميركا اللاتينية تملك 42% من احتياطي مادة الليثيوم في العالم، في حين لدى الكونغو 46% من احتياطي الكوبالت في العالم ويُنتج 70% من حاجات العالم اليوم. الكوبالت والليثيوم أساسيان في مجال البطاريات المتجددة، وفي العمل على تأمين الطاقة النظيفة وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز. ولدى الصين احتياطي من الألومنيوم والنحاس والليثيوم كذلك، في حين لدى اندونيسيا جبال من النيكل والبيرو فيها ربع الفضة في العالم.
كل هذه الدول ستستفيد من التحول الحاصل حالياً، سيما لو رأينا اتجاهاً أوروبياً مستداماً نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة، بهدف التخفيف من الانبعاثات والاعتماد على روسيا في تأمين الحاجات المحلية.
هؤلاء هم الرابحون، ولو بشكل غير مباشر، من حرب روسيا على أوكرانيا، والتحولات الحاصلة نتيجتها. ذاك أن هذه الحرب تُؤسس لتحولات في العالم تبدأ بالسياسة والأمن والدفاع، وتنتهي في طريقة الحياة ومراجعة الجدوى الاقتصادية لمناطق بأسرها.