المواد الكيميائية في الوقود الأحفوري تسبب مشكلات صحية للبشر

كشفت دراسة جديدة عن مدى انتشار الملوثات والمواد الكيميائية المرتبطة بالوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، عن أن هناك فئات متعددة منها تنطوي على تأثيرات ضارة.

ووفق الدراسة، التي أجراها فريق من الباحثين في جامعة جونز هوبكنز بولاية ميريلاند الأميركية ونشرتها مجلة “إنفايرونمنتل ساينس آند تكنولوجي” الأميركية مؤخرًا؛ فقد وجد الباحثون عدة فئات من المواد التي يحتمل أن تنطوي على تأثيرات ضارة، لم يسبق قياسها سابقًا: في أجساد النساء الحوامل، حسبما نشر موقع إنسايد كلايمت نيوز.

وساعدت نتائج هذه الدراسة على حث صانعي السياسات على التحرك الآن لحماية البيئة والصحة العامة من التهديدات التي يشكلها الارتباط الوثيق بين التغير المناخي والمواد الكيميائية الاصطناعية، ومعظمها مشتق من النفط.

وقاست دراسات المراقبة الحيوية 43 مادة كيميائية على الأقل من فئات متنوعة من المركّبات الكيميائية في 99-100% من النساء الحوامل في الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن البتروكيماويات ترتبط بمشكلات صحية متنوعة مثل العقم والسرطان، وهي تتراكم الآن لدى النساء الحوامل.

 

انتشار ملوثات الوقود الأحفوري
حذر الباحثون، طوال سنوات، من أن الملوثات الكيميائية المرتبطة بالوقود الأحفوري أصبحت منتشرة؛ لدرجة أنه سيكون من المستحيل على أي شخص تجنبها.

وقد تحقق العلماء منذ عقود من أن الأطفال يمكن أن يتعرضوا للمواد الكيميائية الصناعية حتى قبل الولادة؛ لأن هذه المواد الكيميائية يمكن أن تعبر المشيمة. وأفاد علماء من المعهد الوطني الأميركي للسرطان، في عام 2010، بأن الأطفال يولدون ملوَّثين مسبقًا إلى حد مقلق. وقالت الأستاذة المساعدة في الصحة البيئية والهندسة بجامعة جونز هوبكنز، جيسي باكلي، إن فريق الباحثين استعرض وجود المواد الكيميائية من 9 فئات مختلفة.

وشملت تلك المواد الكيميائية أملاح صناعة اللدائن (الفثالات) والمواد البلاستيكية البديلة والمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن فريق الباحثين اكتشف العديد من هذه المواد الكيميائية في جميع النساء في العيّنات المدروسة من جميع أنحاء الولايات المتحدة.

 

أضرار المواد الكيميائية الملوِّثة
قالت الأستاذة المساعدة في الصحة البيئية والهندسة بجامعة جونز هوبكنز، جيسي باكلي، إنها وفريقها اختاروا المواد الكيميائية الموجودة في الفئات المستهدفة، مثل مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية والبارابين والفثالات، التي يشتبه في تسببها في آثار صحية ضارة للأمهات والأطفال.

والآن، بعد أن أظهر الباحثون تعرض 171 امرأة حاملًا على الصعيد الوطني؛ فإنهم يشرعون في إجراء دراسة ثانية على 6000 امرأة لفحص ما إذا كانت هناك عواقب صحية محتملة على أطفالهن.

وقالت إنهم وجدوا ضررًا واسع الانتشار لمبيدات النيونيكوتينويد، والمبيدات الأحدث التي تحل محل المبيدات القديمة المثيرة للقلق. وأضافت باكلي أن مبيدات النيونيكوتينويد، المستخدمة في الزراعة وفي علاج انتشار البراغيث والقراد في الحيوانات الأليفة، عُثِرَ عليها في بول كل امرأة تقريبًا ممن شاركن في الدراسة، حسبما نشر موقع إنسايد كلايمت نيوز.

وأوضحت أنهم وجدوا تركيزات أعلى من العديد من المواد الكيميائية مثل البارابين والبيفينول والفثالات -الموجودة في الشامبو والمستحضرات وطلاء الأظافر وزجاجات المياه- بين النساء اللاتينيات مقارنة بالنساء البيضاوات البشرة في الدراسة.

وأشارت إلى أنه يتعذر تحديد سبب ارتفاع هذه المواد الكيميائية بين النساء اللاتينيات، وأن فريق الباحثين يعلم أن بعض منتجات العناية الشخصية ومصادر تغليف المواد الغذائية يمكن استخدامها في كثير من الأحيان بين النساء اللاتينيات.

وبيّنت أن العديد من المواد الكيميائية التي قاسوها هي نظائر أو بدائل للمواد الكيميائية التي تشير الدراسات إلى أن لها آثارًا صحية، وقالت إن هذه البدائل تكون في بعض الأحيان مشابهة جدًا لسابقاتها.

 

نتائج غير مفاجئة
قالت أستاذة العلوم الحيوية المقارنة بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين، جودي فلوز، التي لم تشارك في البحث، إنها لم تُفاجأ بالنتائج. وأكدت أن الدراسة الأخيرة، بالإضافة إلى العديد من الدراسات السابقة، قد حددت المواد الكيميائية في البول من كل من النساء الحوامل وغير الحوامل.

وأوضحت أن الكثير من المواد الكيميائية التي يتعرض لها الناس في البيئة موجودة في كل مكان يوميًا من خلال عدة طرق. وألمحت إلى أن الدراسات التي أجريت على الحيوانات ودراسات الخلايا تفيد بأن الكثير من المواد الكيميائية التي عثروا عليها يمكن أن تتداخل مع قدرة الجسم على إنتاج الهرمونات أو الاستجابة للهرمونات.

وبيّنت أن هذه التداعيات يمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى مشكلات في التكاثر، والتنمية، والتمثيل الغذائي. وقالت فلوز إن بعض الباحثين بدأوا في دراسة سبب تعرض أفراد بعض المجموعات العرقية أكثر من غيرهم، وذلك يعود إلى اختلافات عرقية ومستويات المواد الكيميائية التي يمتلكها الناس.

وأشارت إلى أن الحالة الاجتماعية والاقتصادية قد تؤدي دورًا في التعرض؛ لأن بعض المواد الكيميائية، مثل أملاح الفثالات، تميل إلى أن توجد بكميات أكبر في المباني القديمة حيث يعيش الأشخاص الذين يعانون الفقر في كثير من الأحيان.

 

إنتاج المواد الكيماوية الاصطناعية
ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من المواد الكيميائية الاصطناعية منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث قفز أكثر من 15 ضعفًا بحلول عام 2007. وتضاعف الإنتاج العالمي تقريبًا بين عامي 2000 و2017، وانتشرت البتروكيماويات في السوق لدرجة أنها تتوافر الآن في قائمة لا نهاية لها من المواد التي تصنع من البلاستيك.

وتشمل المنتجات الصناعية والاستهلاكية، على سبيل المثال لا الحصر: مواد البناء والسجاد وسراويل رياضة اليوغا والسترات الصوفية ولعب الأطفال ومستحضرات التجميل والأسمدة والمبيدات والسيارات والمكملات الغذائية والتعبئة والتغليف.

وقال الباحثون في جامعة جونز هوبكنز بولاية ميريلاند الأميركية إن شركات النفط والغاز تكثف إنتاجها من البتروكيماويات والبلاستيك. وقال الخبير الكيميائي، المؤسس المشارك لصندوق “سيفر ميد”، الذي يمول الجهود المبذولة لتقليل تعرض الإنسان للمواد الكيميائية الضارة، مارتي مولفيهيل، إنه نظرًا لانخفاض إنتاج الوقود بشكل طفيف؛ فإن هذه الزيادة يقابلها الطلب على البلاستيك والبتروكيماويات.

وتوقع مارتي مولفيهيل أن يشهد العقد المقبل أكثر من 60% من الطلب على النفط من البلاستيك والكيماويات. وأشار إلى أن إنتاج المواد الكيميائية يحمل بصمة كربونية كبيرة؛ حيث يمثل التصنيع الكيميائي 18% من انبعاثات الكربون الصناعية.

ويوجد أكثر من 3200 منشأة أميركية تخزن موادّ كيميائية خطرة في مناطق معرضة لخطر الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ والتي تشمل الفيضانات والحرائق الهائلة وارتفاع مستوى سطح البحر، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن مكتب المساءلة الحكومية في الولايات المتحدة.

وأوضح مولفيهيل أنه بعد الأعاصير، تطلق المنشآت الكيميائية الكبيرة، ومحطات معالجة المياه، ومنشآت أخرى بالقرب من المسطحات المائية، كميات كبيرة من المواد الكيميائية نتيجة للأحداث المناخية القاسية.

 

قدرة الكوكب على التعافي
قالت مديرة مركز البحوث البيئية والترجمة من أجل الصحة (إيرث) بجامعة كاليفورنيا، تريسي وودروف، إن التلوث الكيميائي، مثل التغير المناخي، يتجاوز الآن ما يسميه الباحثون “حدود الكوكب”، وهي الحدود البيئية لقدرة الأرض على التعافي من الاعتداءات البشرية.

وأشارت وودروف إلى أن حجم المواد الكيميائية الصناعية المنتجة سنويًا، في الولايات المتحدة وحدها، يبلغ ما لا يقل عن 30 ألف رطل (13607.77 كليوغرامًا) لكل شخص سنويًا. وأكدت أنه من المحتم أن يتعرض الجميع لهذه المواد الكيميائية العديدة والمتنوعة التي يجري إنتاجها أساسًا من المواد الأولية للوقود الأحفوري.

وأوضحت أن استخدام مكونات الغاز الطبيعي باعتبارها مواد أولية للبتروكيماويات يُعَد أكثر ربحية من بيعها وقودًا أو كهرباء. ويرى الباحثون أنه من الممكن، في كثير من الأحيان، تجنب المواد الكيميائية الخطرة تمامًا بمجرد إعادة تصميم المنتج، وهذا ما فعلته شركات تصنيع الأثاث.

فبعد عقود من إضافة مثبطات اللهب السامة إلى مواد التنجيد لمنع انتشار الحرائق؛ تخلصت شركات تصنيع الأثاث من المواد الكيميائية واستخدمت الأقمشة المقاومة طبيعيًا للاحتراق مثل الصوف.