دفعت أزمة الطاقة اليابان إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية، من بينها إطالة عمر محطات الطاقة النووية، وإجراء تدابير طارئة للحماية من مخاطر نقص الغاز. وتدرس اليابان تمديد عمر المحطات النووية إلى ما بعد الحد الأقصى، البالغ 60 عامًا، في تحول كبير في سياستها النووية بعد عقد من كارثة فوكوشيما، وتعتزم إجراء تعديلات تشريعية لمواجهة نقص إمدادات الطاقة وارتفاع التكاليف.
وكانت سياسة الطاقة في اليابان في حالة جمود، منذ أن أدت كارثة 2011 إلى إغلاق أغلب مفاعلاتها النووية، وتجنّبت بناء أي مفاعلات جديدة، وأجبر ذلك أكبر اقتصاد في آسيا على حرق المزيد من الفحم والاعتماد على الغاز الطبيعي وزيت الوقود، رغم تعهداتها بتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050. وستزيل اللوائح الجديدة -قيد الدراسة- القيود المفروضة على تشغيل محطات الطاقة النووية، ما يسمح بتمديدات متكررة إذا وافقت عليها هيئة الرقابة النووية، وفق ما رصدته منصّة الطاقة المتخصصة.
الطاقة النووية في اليابان
بموجب اللوائح الحالية -التي وُضعت بعد كارثة “فوكوشيما دايتشي” النووية عام 2011- يمكن تشغيل المفاعل النووي لمدة 40 عامًا، يليها تمديد آخر لمدة 20 عامًا، إذا تمت الموافقة عليه من قبل المنظمين. وتمت الموافقة على تمديد تشغيل 4 مفاعلات من أصل 33 مفاعلًا في اليابان، لمدة تصل إلى 60 عامًا، وفقًا لوكالة رويترز. وتقدّمت شركة “كيوشو إلكتريك باور” بطلب تمديد لمفاعلين في محطتها النووية “سينداي” يوم الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول (2022)، بعد طلبات مماثلة من شركتي “كانساي إلكتريك باور” و”جابان أتوميك باور”.
وفي الوقت الذي تواجه فيه اليابان أزمة في إمدادات الطاقة بسبب الصراع في أوكرانيا، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الطاقة، تعهّد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في أغسطس/آب (2022)، بإعادة تشغيل المزيد من محطات الطاقة النووية المتوقفة عن العمل والنظر في إطالة عمر المحطات القائمة. وأبقت اليابان معظم محطات الطاقة النووية معطّلة خلال عقد من الزمان منذ أن تسبب زلزال مدمر وتسونامي في عام 2011، في حدوث انصهار نووي في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة.
وقالت اليابان المعرضة للزلازل إنها لن تبني مفاعلات جديدة، لذا فإن تغيير هذه السياسة سيكون بمثابة تحول صارخ. وتهدف الحكومة اليابانية إلى تجميع القواعد الجديدة بحلول نهاية العام الجاري (2022)، وتقديم التعديلات ذات الصلة على القانون للموافقة عليها من قبل الدورة البرلمانية العادية العام المقبل (2023).
التحول الأخضر
اجتمع مسؤولون حكوميون في 24 أغسطس/آب الماضي، لوضع خطة لما يسمى “التحول الأخضر”، التي تهدف إلى إعادة تجهيز ثالث أكبر اقتصاد في العالم، لتحقيق الأهداف البيئية. وينظر إلى الطاقة النووية -التي عارضها الشعب بشدة بعد أزمة فوكوشيما- الآن من قبل البعض في الحكومة على أنها عنصر مهم في مسار التحول الأخضر، كما شهد موقف الرأي العام تحولًا أيضًا، إذ ارتفعت أسعار الوقود وأثار الصيف المبكر والحار دعوات إلى توفير الطاقة.
وتحتاج اليابان إلى الطاقة النووية، لأن شبكتها الكهربائية غير متصلة بالدول المجاورة، كما أنها غير قادرة على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري المحلي. وبدءًا من أواخر شهر يوليو/تموز (2022)، كان لدى اليابان 7 مفاعلات قيد التشغيل، و3 أخرى متوقفة عن العمل بسبب عمليات الصيانة، ويخضع العديد من المفاعلات الأخرى إلى إعادة الترخيص بموجب معايير صارمة فُرضت بعد فوكوشيما. وقبل كارثة عام 2011، حصلت اليابان على قرابة ثلث احتياجاتها من الكهرباء بوساطة 54 مفاعلاً نوويًا. وتستحوذ محطات الطاقة النووية -حاليًا- على 6% من توليد الكهرباء في اليابان، وتخطط الحكومة لزيادتها بنسبة تصل إلى 20-22% بحلول عام 2030، عن طريق إعادة تشغيل المفاعلات الحالية بدلًا من بناء مفاعلات جديدة.
الغاز الطبيعي المسال
من جهة أخرى، وافقت الحكومة اليابانية على إجراء تعديل تشريعي يسمح للشركة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن “جيه أوه جي إم إي سي”، المملوكة للدولة بشراء الغاز الطبيعي المسال في حالة الطوارئ، وفقًا لتصريحات وزير الصناعة الياباني ياسوتوشي نيشيمورا. وتتطلع اليابان -إحدى أكثر الدول شراء للغاز المسال في العالم- إلى تأمين الإمدادات لفصل الشتاء، ونظرًا إلى اعتماد الدولة الآسيوية الفقيرة في الموارد الطبيعية على واردات الطاقة، فقد تضررت بشدة من ارتفاع أسعار النفط والغاز.
وتستورد اليابان نحو عُشر الغاز الطبيعي المسال من روسيا، خاصة من حقل سخالين 2. وأضاف نيشيمورا -خلال مؤتمر صحفي اليوم الجمعة 14 أكتوبر/تشرين الأول (2022)- أن اليابان تخطط -أيضًا- لمراجعة قانون آخر للسماح للحكومة بأمر كبار المستخدمين بالحد من استخدام غاز المدينة في حالة الطوارئ، بحسب رويترز. وحثّت الحكومة اليابانية المرافق في البلاد على تخزين الغاز المسال قبل الشتاء، وسط توقعات بشح الإمدادات، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
طوارئ الغاز
سيسمح التعديل الجديد للمؤسسة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن بشراء الغاز الطبيعي المسال نيابة عن المرافق عندما يصبح الشراء العادي من قبل الشركات الخاصة صعبًا. وتضع الحكومة حالات طوارئ لحماية أمن الطاقة وسط الخطر المتزايد المتمثل في انخفاض التدفقات من روسيا إلى السوق العالمية التي تعاني نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار.
وقال وزير الصناعة ياسوتوشي نيشيمورا: “مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن إمدادات الغاز المسال على خلفية زيادة الطلب العالمي وتغير الظروف الدولية والحوادث غير المتوقعة، نتخذ إجراءات للاستعداد لأي أزمة قد تسبب اضطرابات خطيرة في إمدادات الغاز”. وبموجب الخطة، التي يجب أن يوافق عليها البرلمان، سيُعدل قانون أعمال الغاز للسماح للحكومة بإصدار أوامر لمستخدمي غاز المدينة الكبار بتقييد الاستهلاك عندما يخاطر النقص بالتأثير سلبًا على الاقتصاد الوطني وحياة الناس.