بريطانيا تدعم التنقيب عن النفط والغاز لمواجهة ارتفاع فواتير الطاقة

دفع ارتفاع فواتير الطاقة في بريطانيا إلى إعادة التفكير في بعض السياسات المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز والتكسير المائي (الهيدروليكي)، فضلًا عن اتخاذ تدابير عاجلة للحدّ من أزمة تكاليف المعيشة. وفي أول تحرك سياسي لرئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس، وعدت بوضع حدّ للفواتير الاستهلاكية، وتشجيع تطوير مصادر جديدة للطاقة، معلنة أن خطّتها ستدعم الأسر لعامين، والشركات لمدة 6 أشهر، حسبما نشرت صحيفة فاينانشال تايمز.

وكشفت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة النقاب عن خطتها لمجلس العموم، اليوم الخميس 8 سبتمبر/أيلول (2022) في تمام الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش (01:00 مساءً بتوقيت مكة المكرمة). وتعهدت تروس باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المستهلكين، خاصة أن البلاد على شفا ركود طويل؛ بسبب تضاعف فواتير الطاقة تقريبًا 4 مرات.

وتسببت الأنباء عن تعاظم الاقتراض الحكومي لتمويل حزمة الدعم وتعهد تروس بخفض الضرائب في ارتباك الأسواق المالية، وانخفضت قيمة الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي، يوم الأربعاء 7 سبتمبر/أيلول (2022)، إلى أدنى مستوى لها منذ 40 عامًا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

خفض فواتير الطاقة
تولّت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة مهام منصبها في ظل ظروف وتحديات ربما تعدّ الأسوأ في تاريخ بريطانيا بعد الحرب. وفي محاولة لتهدئة الأزمة، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية لمجلس العموم، اليوم الخميس 8 سبتمبر/أيلول (2022)، تجميد متوسط الفواتير عند 2500 جنيه إسترليني (2889.15 دولارًا أميركيًا)، بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول (2022)، وتعويض شركات الطاقة عن خسائرها.

ويمثّل ذلك تحولاً كبيرًا، بعد رفض رئيسة الوزراء البريطانية تقديم المعونات في بداية حملتها لقيادة حزب المحافظين. وأوضحت تروس أن الأسرة المتوسطة ستوفر إجمالي 1000 جنيه إسترليني، بالإضافة إلى خصم قيمته 400 جنيه إسترليني أعلنته الحكومة السابقة.

وأضافت أن هذا الضمان يحلّ محلّ سقف سعر السلطة البريطانية المنظمة للطاقة “أوفغيم” بموافقة تجّار التجزئة في قطاع الطاقة. وقالت لمجلس العموم: “لقد وعدتُ في وقت سابق من هذا الأسبوع بأنني سأتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة التي تعاني منها العائلات والشركات بجميع أنحاء المملكة المتحدة، واليوم أفي بوعدي”.

وربما تساعد خطتها في تهدئة التضخم الذي بلغ 10.1%، لكن القفزة في حجم الاقتراض الحكومي ستزيد من الضغط على المالية العامة مع احتمال استمرار أزمة الطاقة حتى الشتاء المقبل. وقوبلت خطة تروس بانتقادات من أحزاب المعارضة، التي حذّرت من أن خطة تخفيف أزمة تكلفة المعيشة دون فرض ضرائب على شركات الطاقة قد تثقل كاهل البريطانيين بالديون لعقود.

وحذّرت الجمعيات الخيرية من أن ملايين الأسر ستواجه الفقر هذا الشتاء، حال السماح بارتفاع فواتير الطاقة بنسبة 80% في أكتوبر/تشرين الأول (2022)، ومرة أخرى في الشتاء. كما أن الشركات مهددة بالخطر، وقد تدفعها فواتير الطاقة الجديدة إلى التوقف عن العمل.

التنقيب عن النفط والغاز ومصادر أخرى
سبق أن وعدت تروس باتخاذ إجراءات عاجلة لمساعدة المواطنين والشركات، مع معالجة أصل هذه المشكلات حتى لا تتعرض البلاد لمثل هذه الأزمة مرة أخرى، وتعني بذلك إيجاد مصادر جديدة لتعزيز إمدادات الطاقة من خلال التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال ومحطات الطاقة النووية، وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

فقد أكدت مرارًا خلال حملتها أن تعزيز إمدادات الطاقة المحلية سيكون جزءًا من مساعيها لخفض الأسعار. وكشفت رئيسة الوزراء البريطانية اليوم الخميس 8 سبتمبر/أيلول (2022) النقاب عن إصلاحات في قطاع الطاقة، من خلال إطلاق جولة جديدة مكونة من 100 ترخيص جديد لبدء التنقيب عن النفط والغاز في محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي، ويمكن أن تصل إلى 130 ترخيصًا.

وتعهدت تروس -أيضًا- بمراجعة إستراتيجية الحكومة لتحقيق الحياد الكربوني في ظل تغير المشهد الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت تروس رفع الحظر المفروض على عمليات التكسير المائي (الهيدروليكي). وتقنية التكسير المائي عبارة عن حقن السوائل وحبيبات الرمل والمواد الكيماوية تحت ضغط عالٍ، لإحداث تصدعات داخل التشكيلات الصخرية؛ ما يسمح بتحفيز الإنتاج واستخراج عناصر الطاقة من باطن الأرض.

ومن المرجح ان يثير قرار رفع الحظر عن التكسير المائي الجدل مرة أخرى بعد إيقافه في عام 2019؛ نتيجة تحذير هيئة النفط والغاز من صعوبة التنبؤ بحجم الزلازل الناجمة عن هذه التقنية. ورغم ذلك، لن يساعد مقترح التنقيب عن النفط والغاز في تهدئة فواتير الطاقة على المدى القصير، إذ تستغرق عمليات الاستكشاف عادة ما بين 5-10 سنوات قبل بدء إنتاج النفط والغاز من الحقل.

كما أن مشروعات التكسير المائي (الهيدروليكي) تتطلب إجراءات تخطيط طويلة. وفي هذا الصدد، قال وزير الدولة للتسوية والإسكان والمجتمعات سيمون كلارك: “إذا كنا نريد تحقيق الاكتفاء في الطاقة، فعلينا النظر لجميع المصادر، بما في ذلك المحطات النووية والطاقة المتجددة، والنظر -أيضًا- إلى تقنيات أخرى، مثل التكسير المائي”.

التكلفة الإجمالية لحزمة الدعم
في غضون ذلك، رفض المسؤولون الحكوميون تحديد التكلفة الإجمالية لحزمة الدعم، لكن تشير تقديرات المحللين إلى بلوغها قرابة 150 مليار جنيه إسترليني. وحسب تقديرات المحللين في دويتشه بنك، ستكون التكلفة باهظة في بريطانيا، وقد يصل إجمالي حزمة الدعم المتعلقة بفواتير الطاقة وخفض الضرائب إلى 180 مليار جنيه إسترليني، أو قرابة نصف المبالغ التي أنفقتها البلاد على جائحة كورونا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ووفقًا لتصريحات داوننغ سترين، سيحدد التكاليف وزير الخزانة البريطانية الجديد كواسي كوارتنغ، بوقت لاحق من الشهر الجاري (سبتمبر/أيلول). وتتوقع وزارة الخزانة أن تؤدي الخطة الجديدة إلى خفض التضخم المتوقع بقرابة 4-5 نقاط، وسيقلل ذلك من تكلفة الديون الحكومية.

مطالب بتوسيع الاستثمار
نادت العديد من الشركات في بريطانيا بمواصلة التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال؛ لضمان استقرار الإمدادات وتعزيز أمن الطاقة. وطالبت شركة إنكويست البريطانية -مؤخرًا- بالتوسع في الاستثمار والتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستضمن الإسهام بتوفير إمدادات محلية، ويعني ذلك عدم الاعتماد على الواردات خلال السنوات المقبلة، والتصدي لأزمة الطاقة التي تواجه المنطقة.

كما دعمت شركة شل الأنغلو-هولندية هذه الفكرة من قبل، وأكدت أهمية استمرار الاستثمارات في بحر الشمال. وقال رئيس شركة شل بالمملكة المتحدة سيمون رودي أن تطوير المشروعات الجديدة في بحر الشمال مهم، إلى جانب مشروعات طاقة الرياح واحتجاز الكربون وتخزينه. وجاءت هذه المطالب بعد تراجع إنتاج بحر الشمال بنسبة 15%، وانخفاض الاستثمارات بسبب فيروس كورونا، وانخفاض الأسعار في عام 2020.