تقرير يكشف مصير الغاز المسال الأسترالي في 2023 وحقيقة نقص الإمدادات

تقرير يكشف مصير الغاز المسال الأسترالي في 2023 وحقيقة نقص الإمدادات

حمل العام الجاري (2022) رياحًا معاكسة إلى أستراليا، فبعد أن تربعت على عرش سوق الغاز المسال بصفتها أكبر مصدر في العالم خلال العام الماضي (2021)، اقتنصت الولايات المتحدة اللقب في الآونة الأخيرة مستفيدة من التحولات الجيوسياسية وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

ومع تراجع مكانة أستراليا واحتدام الأزمات في مناطق متفرقة من الولايات، بدأت التحذيرات من أن البلاد ستواجه أزمة في إمدادات الغاز المحلية عام 2023، ويمثّل ذلك خطرًا على أمن الطاقة، ويتعيّن على الحكومة وجود حلول في أسرع وقت. وكان من بين الحلول التي خلصت إليها هيئة حماية المنافسة والمستهلكين الأسترالية هو تفعيل ضوابط على الصادرات، لتجنّب عجز متوقع في عام 2023، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

توفير إمدادات للسوق المحلية
قد يبدو من غير المنطقي أن تواجه واحدة من أكبر مصدري الغاز المسال في العالم أزمة في الغاز. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أسباب جغرافية، منها أن سيدني وملبورن في الجنوب الشرقي بعيدتان عن حقول الغاز الرئيسة في البلاد، إلى جانب أزمة الطاقة العالمية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

إلا أن القرارات السياسية التي اتخذتها الحكومة الأسترالية السابقة أرست -أيضًا- الأسس لأزمة غاز ضخمة، بعد نقص الاستثمار والسماح لشركات الطاقة العالمية بتصدير كميات ضخمة من الغاز، تصل إلى قرابة 75% من إنتاج الوقود الأسترالي. لذا، حذّرت هيئة حماية المنافسة والمستهلكين الأسترالية من السماح لكبرى الشركات بتصدير الغاز غير المتعاقد عليه في عام 2023، لتغطية الطلب المحلي، لا سيما أن محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم تكافح للحفاظ على حصتها من الإمدادات المحلية.

وتتوقع أن تعاني سوق الغاز في الساحل الشرقي من عجز قدره 56 بيتاجول، وهذه الفجوة تعادل قرابة 10% من الطلب المحلي السنوي، وينذر ذلك بالخطر على أمن الطاقة في أستراليا. وقالت اللجنة إن شح الإمدادات قد يزيد من أسعار الطاقة، ويؤدي إلى إغلاق بعض المصانع، إذ شهدت البلاد -مؤخرًا- خروج بعض الشركات من السوق، حسب صحيفة الغارديان.

وأوضح أمين خزانة الحكومة الفيدرالية، جيم تشالمرز، أن الأوضاع في سوق الغاز بالساحل الشرقي مقلقة، وحث منتجي الغاز على اتخاذ القرار الصحيح تجاه الأستراليين. وتابع: “من المهم توفير إمدادات غاز محلية وبأسعار تنافسية، لا سيما عندما تكون المنازل والشركات تحت ضغط شديد”.

وخلال شهر يوليو/تموز (2022)، حذّر مشغل سوق الطاقة الأسترالي من ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، مشيرًا إلى أن أسعار الجملة للغاز والكهرباء تضاعفت 3 مرات خلال الربع الثاني المنتهي في 30 يونيو/حزيران (2022) مقارنة بالربع السابق. ويؤثّر ارتفاع أسعار الغاز، الناجم جزئيًا عن الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الغربية، في أسعار الكهرباء.

وتأتي تحذيرات اللجنة -أيضًا- في وقت تدرس فيه وزيرة الموارد الفيدرالية الأسترالية مادلين كينغ، مدى ملاءمة آلية أمن الغاز المحلي الأسترالية؛ لضمان الاحتفاظ بكمية وفيرة من الوقود بأسعار معقولة للمستخدمين المحليين. وفي الوقت نفسه، لا تواجه أستراليا الغربية -التي تحتفظ بنسبة 15% من الطلب على الغاز للاستخدام المحلي- التحديات نفسها، كما إن أسعار الكهرباء لم ترتفع بالسرعة التي ارتفعت في شرق البلاد.

السيطرة على المنتجين
لاحظت الهيئة أن 3 فقط من كبار مصدري الغاز المسال تسيطر على قرابة 90% من احتياطيات الساحل الشرقي لأستراليا، سواء المؤكدة أو المحتملة من الوقود الأحفوري.

وهذه المشروعات هي: مشروع أستراليا باسيفك للغاز المسال الذي تديره شركة كونوكو فيليبس وأوريغين بسعة تصل إلى 9 ملايين طن سنويًا، وغلادستون للغاز المسال الذي تديره شركة سانتوس الأسترالية بسعة 7.8 مليون طن سنويًا، وكوينزلاند للغاز المسال الذي تديره شركة شل بسعة 8.5 مليون طن سنويًا. وتهدف هذه الخطوة إلى إجبار مصدري الغاز المسال الـ3 على توفير الإمدادات للمصنعين المحليين والأسر بدلًا من تصديرها إلى الأسواق العالمية، إذ أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة الطلب والأسعار.

ومن المتوقع أن تحد هذه الخطط من الشحنات الفورية في سوق الغاز المسال، التي تواجه نقصًا حادًا منذ الحرب الأوكرانية، لكنها ستدعم الجماهير المحلية التي تشعر بالقلق إزاء ارتفاع التضخم، وتدهور القدرات الإنتاجية المحلية. وفي هذا الصدد، قالت وزيرة الموارد الفيدرالية الأسترالية، مادلين كينغ، إن الحكومة تحتاج إلى اتخاذ التزامات صارمة من مصدري الغاز المسال في الساحل الشرقي بناءً على النقص المتوقع.

وأشارت إلى خططها لتمديد آلية أمن الغاز المحلي الأسترالية التي كان من المقرر إنهاؤها في 1 يناير/كانون الثاني (2023) إلى عام 2030، ومراجعتها في عام 2025. وأضافت أن الحكومة تجري محادثات -أيضًا- مع الشركاء التجاريين الرئيسين لطمأنتهم بأن أستراليا ما تزال شريكًا تجاريًا موثوقًا، ومصدرًا مستقرًا للموارد والطاقة.

هل الحسابات الأسترالية صحيحة؟
رغم اتفاق شركة إنرجي كويست الأسترالية لاستشارات وإستراتيجيات الطاقة مع احتمال وجود نقص في إمدادات الغاز لعام 2023، أصرت على أن الشحنات الفورية المتاحة لتوجيهها إلى السوق المحلية أو الساحل الشرقي أقل بكثير من حسابات لجنة حماية المنافسة والمستهلكين الأسترالية. وتزعم اللجنة أنه كان من الممكن تحويل 22 شحنة غاز مسال من غلادستون خلال المدة من أغسطس/آب (2021) إلى فبراير/شباط (2022) دون أن تؤثر في عقود الغاز المسال طويلة الأجل.

وقالت إنرجي كويست إن الرقم الحقيقي ربما يكون ربع ذلك فقط عند المقارنة بين الصادرات الفعلية وتقديرات لجنة حماية المنافسة والمستهلكين الأسترالية الخاصة بصادرات الغاز بموجب العقود طويلة الأجل. وأشارت في تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة -صادر يوم الخميس 18 أغسطس/آب (2022)- إلى أن الغاز المتاح بموجب عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل في عام 2021 كان عند 1328 بيتاجول، ويعني ذلك إنتاج 22.8 مليون طن من الغاز المسال.

وبلغت شحنات غلادستون للغاز المسال الفعلية نحو 23.4 مليون طن في عام 2021، ما يعني أن المبيعات الفورية بلغت 0.8 مليون طن. ووفقًا للتقرير، وصلت الشحنات الفورية لعام 2021 إلى 12 شحنة أو 6 شحنات كل 6 أشهر، أي ما يزيد قليلًا على إجمالي عدد الشحنات الفورية الذي استشهدت به لجنة حماية المنافسة والمستهلكين الأسترالية. وأضافت أن شحنات غلادستون في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط (2022) لم تشهد أي زيادة غير طبيعية.

انتقادات حادة
في الوقت نفسه، تعرّض مصدرو الغاز المسال في أستراليا لانتقادات حادة بعد تجاهل القيود المفروضة لتوفير إمدادات الغاز للسوق المحلية، وسط ارتفاع الطلب على الغاز ووقف عدد من محطات الكهرباء العاملة بالفحم في وقت سابق من عام 2022، إذ صدّروا شحنات بقيمة 70 مليار دولار في السنة المالية (2022).

ونتيجة لذلك، ارتفع استخدام الغاز لتوليد الكهرباء بنسبة 37% في يوليو/تموز (2022)، مقارنة بعام (2021). ووفقًا لمشروع أستراليا باسفيك للغاز المسال، وفّر المشروع نحو 7.9 بيتاجول إضافية من الغاز للسوق المحلية على مدى 3 أشهر حتى يوليو/تموز (2022). ويرى تكتل الغاز التابع لرابطة منتجي ومستكشفي النفط (آبيا) أن السوق المحلية لا تعاني نقصًا في إمدادات الغاز، ويتوقع ألا تشهد البلاد أي أزمة حتى العام المقبل (2023).

وقال الرئيس التنفيذي للتكتل، داميان دوير، إن صناعة الغاز المسال قادرة على توفير كميات للتصدير والسوق المحلية، مشيرًا إلى ضخ استثمارات لإنتاج الغاز المسال المخصص للتصدير وأخرى للسوق المحلية. ونظرًا إلى مكانة أستراليا في السوق العالمية بصفتها من أكبر منتجي الغاز المسال ومصدريه، حذّر التكتل من أن قرار حظر الصادرات قد يزيد من الوضع المتأزم في السوق.

فأغلب صادرات الغاز المسال الأسترالية تتجه إلى دول آسيا والمحيط الهادئ، ولا يمكن لأستراليا تزويد أوروبا أو أي منطقة بالإمدادات من دون فسخ العقود. كما إن الحكومة لا تستطيع التدخل في الصادرات إلا إذا توافرت الإمدادات في السوق المحلية، لكن أزمة الساحل الشرقي تتفاقم، وهو ما دفعها إلى اتخاذ مثل هذه السياسات.