واجهت 3 دول أوروبية اتهامات بتمويل قطاع الطاقة الروسي الذي وفّر الجانب الأكبر من ميزانية الحرب على أوكرانيا، رغم أن القارة العجوز كانت أكثر المتضررين من تداعيات الخطوة التي اتخذتها موسكو قبل 6 أشهر.
وفي مفارقة مثيرة للجدل انصب الجانب الأكبر من التمويلات الأوروبية على مشروعات الغاز الروسية طوال السنوات الـ7 الماضية، في حين قلبت الحرب توجهات الدول رأسًا على عقب وباتت أوروبا تبحث عن كل قدم مكعبة من الغاز قبيل فصل الشتاء بعدما كانت تموّل الجانب الأكبر منه لدى موسكو، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وعكفت وكالات ائتمان الصادرات في: (ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا)، منذ عام 2014 وحتى العام الماضي (2021) على أداء دور الوسيط الائتماني وضمان مشروعات قطاع الطاقة الروسي. غير أن تلك الوكالات عدلت عن موقفها وأعلنت -عقب حرب أوكرانيا- الالتزام بالعقوبات المفروضة على موسكو، بحسب ما نشرته بلومبرغ.
دور وكالات الائتمان
وفّرت وكالات ائتمان الصادرات في الدول الأوروبية الـ3 منافذ تمويل في صورة “ضامن” للمشروعات الروسية في قطاع النفط والغاز منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم قبل 7 سنوات. وبذلك، واصلت 3 من كبار الاقتصادات الأوروبية على رأسها ألمانيا -عبر وكالات الائتمان الخاصة بها- توفير الدعم اللازم لتطوير مشروعات النفط والغاز والبتروكيماويات في موسكو، لمدة تزيد على 7 سنوات.
ويُنظر إلى الدول الأوروبية الـ3 بعين الاتهام؛ إذ أسهمت مشروعات قطاع الطاقة الروسي في تعزيز خزائن موسكو وانتعاشها، بما أهلها لحجم الإنفاق الذي تطلبه الحرب على أوكرانيا بجانب الاستعداد لمواجهة تداعيات العقوبات المفروضة عليها منذ الغزو. وفي مفاجأة من العيار الثقيل، بلغ حجم التمويل المباشر وغير المباشر -بوساطة ضمانات وكالات ائتمان الصادرات في الدول الأوروبية الـ3- لصالح المشروعات الروسية خلال السنوات الـ7 الماضية، ما قُدّر بنحو 13 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، قدّمت المصارف المملوكة للدولة في كل من ألمانيا وإيطاليا قروضًا إلى مشروعات قطاع الطاقة الروسي بما يصل إلى 425 مليون دولار إضافية، بحسب بيانات حصرية رصدها المجلس العالمي للاتصالات الإستراتيجية.
الضمانات والعقوبات
اللافت للنظر أن مشروعات روسية عدة تلقت تمويلات -بوساطة أوروبية بوصفها ضامنًا- رغم أن من بين المشاركين بها كيانات وأشخاصًا خاضعين للعقوبات ومقربين من الرئيس فلاديمير بوتين. وعلى سبيل المثال، باشرت ألمانيا وإيطاليا العمل على توفير ضمانات لتمويل أكبر محطات معالجة الغاز الطبيعي في روسيا تُشغلها شركة غازبروم، ورغم أن المحطة وقعت تحت نطاق دائرة العقوبات الأميركية والأوروبية بعد حرب أوكرانيا العام الجاري (2022) فإن رئيسها التنفيذي يخضع للعقوبات منذ عام 2018.
وفسّر مسؤول تأمينات مؤسسات التمويل العالمية في وكالة “دي آر بي إس مورنينغ ستار”، ماركوس ألفاريز، أن وكالات ائتمان التصدير في البلدان الأوروبية الـ3 لا تخضع للمتابعة والإشراف. وأشار إلى أن تمويل مشروعات قطاع الطاقة الروسي كان بمثابة بوابة دخول للبلدان الـ3 إلى موسكو.
وحسمت مؤسسات التمويل ووكالات ائتمان الصادرات الأوروبية -محل الاتهام- موقفها، إذ أعلنت امتثالها للعقوبات ووقف توفير التمويل أو القروض لأي طلبات جديدة للمشروعات الروسية بعد حرب أوكرانيا. والوكالات الـ5 هي: (أويلر هرمس الفرنسية، و”ساك” لخدمات تأمين التجارة الخارجية الإيطالية، وبي بي أي فرانس لتأمينات الصادرات، ومصرف “كيه إف دبليو-آيبكس” الألماني، ومصرف كاسا ديبوست اي بريستيتي الإيطالي).
جرائم حرب
فتح كبير مستشاري الاقتصاد الأوكراني، أوليغ أوستينكو، النار على وكالات ائتمان الصادرات الأوروبية التي واصلت العمل مع روسيا حتى نهاية العام الماضي (2021).
ورغم أن تلك الوكالات أعلنت توقفها عن تمويل مشروعات تطوير قطاع الطاقة الروسي عقب حرب أوكرانيا، فإن أوستينكو وجّه إليها اتهامات بالإسهام في تمويل الحرب على بلاده. ولم يكتفِ المستشار الاقتصادي الأوكراني بتوجيه الاتهام إلى وكالات ائتمانات الصادرات، وإنما امتدت تصريحاته الحادة لتشمل اتهام حكومات الدول الأوروبية الممثلة لها (ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا) بالتواطؤ مع بوتين في جرائم الحرب ضد كييف. وقال إن تلك الاستثمارات أنعشت خزائن موسكو وموّلت الحرب وفتحت منافذ جديدة للكرملين لتصدير النفط والغاز الملوثين بالدم، وفق قوله.
ويسعى أوستينكو للاستفادة من إعلان تلك المؤسسات امتثالها للعقوبات الأميركية والأوروبية ضد موسكو بالضغط حيال استمرارية وقف تمويل مشروعات قطاع الطاقة الروسي حتى بعد انتهاء الحرب. وربما يخطط المستشار الاقتصادي الأوكراني للضغط نحو تطبيق النهج الأميركي على تلك المؤسسات، إذ أوقفت واشنطن -منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014- تعامل مؤسسات الائتمان الأميركية مع الكيانات الروسية.
ديون روسيا
في خضم تلك الاضطرابات يُطرح التساؤل حول كيفية سداد موسكو مستحقاتها التمويلية وقروض المؤسسات التمويلية، لا سيما أنه لا يمكن التنبؤ بمعطيات الأسواق المتقلبة في الآونة الحالية. وفي حال بدء تلقي موسكو تمويلات وقروض مشروعات قطاع الطاقة الروسي منذ عام 2017، فربما قد تكون دفعات السداد على وشك الاستحقاق.
وحمل شهر يونيو/حزيران الماضي مفاجأة قد تنذر بتوترات جديدة بين روسيا والدول الأوروبية، إذ تعثرت موسكو في سداد ديونها السيادية “العامة” للمرة الأولى منذ قرن كامل واتبعت الشركات النهج ذاته ما أسهم في تراكم ديون الدب الروسي بالمليارات، وفق بيانات بلومبرغ التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وتباينت ردة فعل وكالات الائتمان تجاه أنباء تعثر قطاع الطاقة الروسي في سداد القروض أو مستحقات التمويل اللازمة، إذ أشار بعضها إلى وجود “مخاطر مالية محتملة” تتطلب دعم حكومة موسكو لشركاتها، في حين أكد البعض الآخر أن بعض المستحقات سُدّدت. وأكد مصرف “كيه إف دبليو” الألماني أن شركة “سوفكومفلوت” -التي تُعد أكبر شركات الشحن الروسية- تمكّنت من سداد قرضها البالغ 42 مليون دولار في شهر مايو/أيار الماضي.
صادرات بتمويل أوروبي
في الوقت الذي تعاني خلاله الدول الأوروبية عدم مخاطر تتعلق بأمن الطاقة وتوافر إمدادات الغاز لتلبية الطلب على الكهرباء والتدفئة قبيل فصل الشتاء، أظهرت صادرات قطاع الطاقة الروسي إلى آسيا أن حجم التمويل الأوروبي لمشروعاتها أتى بثماره.
ووفّرت وكالات الائتمان الأوروبية التمويل لمشروعين من شأنهما تطوير تقنيات التصدير إلى الدول الآسيوية التي ظهرت قيمتها لدى موسكو عقب مرحلة ما بعد العقوبات، إذ أنقذت خزائنها وخفّفت من آثار العزوف عن شراء شحناتها.
ومثالًا على ذلك، دخلت مؤسسة “أويلر هيرمس الفرنسية” العام الماضي -بوصفها ضامنًا- بنسبة تصل إلى 25% للديون المستحقة على مجمع آمور غاز للبتروكيماويات الواقع شرق روسيا، والمقدرة بنحو 9 مليارات دولار. ومن شأن المجمع أن يوفر الإمدادات للمشترين في بكين، وتملك -أيضًا- شركة سينوبك الصينية حصة جزئية منه.
كما أدت مؤسسة “ساك” الإيطالية، خلال العام ذاته، دور الوسيط الضامن لحجم اقتراض مشروعات قطاع الطاقة الروسي من المصارف الإيطالية بقيمة 560 مليون دولار. وتحديدًا وُجهت القروض للإنفاق على مشروع الغاز المسال في القطب الشمالي المعتزم بدء الإنتاج منه العام المقبل (2023)، ويوفر المشروع عقب تشغيله تدفقات تصل إلى 20 مليون طن سنويًا تصدرها موسكو إلى الأسواق الآسيوية.
تمويلات مضادة للمناخ
من زاوية أخرى، كثّف نشطاء المناخ في القارة العجوز من حملاتهم ضد عدد من وكالات الائتمان. وبدأت اعتراضات نشطاء المناخ والبيئة على تمويل مؤسسات مالية أوروبية لمشروعات الوقود الأحفوري في موسكو قبل حرب أوكرانيا بسنوات، ضمن مطالباتهم بخفض الانبعاثات والالتزام بالأهداف البيئية لمكافحة تغير المناخ.
ورصد النشطاء دعم الوكالات مشروعات الوقود الأحفوري بمعدل يفوق 11 ضعف دعمها مشروعات الطاقة المتجددة، خلال المدة بين عامي 2018 و2020، بحسب معلومات وردت في تقرير صدر عن مؤسسة “أول تشينج إنترناشيونال”.
وتُظهر تلك البيانات مفارقة لا سيما أن الدول الأوروبية الـ3 التي تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب والمشاركة في تمويل غزو أوكرانيا بدعمها قطاع الطاقة الروسي كانت ضمن 34 دولة تعهدت بوقف تمويل مشروعات الوقود الأحفوري بحلول العام المقبل (2023).