الهيدروجين النرويجي طوق إنقاذ ألمانيا من أزمة الطاقة الأوروبية

تسابق ألمانيا الزمن من أجل تأمين استيراد الهيدروجين وسد احتياجاتها المتنامية من الطاقة، بعيدًا عن روسيا، عبر جولات مكوكية دورية يقوم بها المسؤولون في البلد الواقع وسط أوروبا، إلى دول القارة العجوز، وعلى رأسها النرويج. ومن هذا المنطلق، تعتزم برلين استيراد الهيدروجين بكميات كبيرة من أوسلو خلال السنوات الـ 10 المقبلة، وهي المسألة التي سيعمل على تيسيرها كلا البلدين خلال المدة المقبلة، حسبما ذكر موقع “إنرجي نيوز” المتخصص في أخبار الطاقة. وإبان الزيارة التي يقوم بها إلى أوسلو هذا الأسبوع، يأمل وزير الاقتصاد الفيدرالي الألماني روبرت هابيك في التوقيع على بيان مشترك حول هذا الأمر، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

تأمين إمدادات الطاقة
خلال اليوم الخميس 5 يناير/كانون الثاني وغد الجمعة، سيعقد هابيك -الذي ينتمي إلى حزب الخُضر الألماني- سلسلة من الاجتماعات مع قادة أعمال في النرويج، كما سيجري مناقشات سياسية خلال الزيارة. وتسيطر على النرويج وألمانيا رغبة جامحة في تأكيد هدفهما المشترك المتمثل في تأمين إمدادات كبيرة من الهيدروجين، عبر بنية تحتية ملائمة من أوسلو إلى برلين بحلول عام 2030، حسبما صرّح هابيك أمس الثلاثاء 3 يناير/كانون الثاني (2023). ويُعول على الهيدروجين كثيرًا، كونه مصدرًا واعدًا للطاقة في بناء الاقتصاد، مع أخذ المساءلة البيئية في الحسبان. ولطالما تطلّعت ألمانيا لحماية أمن الطاقة لديها عبر البحث عن مصادر طاقة بديلة عن الغاز والنفط الروسيين، لا سيما بعد غزو روسيا لجارتها أوكرانيا في 24 فبراير/شباط (2022)، إذ يعتمد أكبر اقتصاد في القارة العجوز على موسكو في سد نصف احتياجاته من الغاز، ونصف الفحم، ونحو ثُلث النفط. ولا تنقطع المناقشات بين ألمانيا والنرويج بشأن سُبل بناء خط أنابيب هيدروجين. وفي هذا الصدد أشارت وزارة الاقتصاد الألمانية إلى وجوب جاهزية نتائج دراسة الجدوى ذات الصلة بهذا المشروع بحلول الربيع.

الهيدروجين الأخضر
تستهدف ألمانيا استيراد الهيدروجين الأخضر على المدى المتوسط، في إطار مساعيها الرامية لفطم نفسها عن إمدادات الطاقة الروسية. ويُنتَج الهيدروجين الأخضر باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، في عملية تشهد تدني مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تُلحق أضرارًا جسيمة بالبيئة. ووفقًا لأحدث التقديرات التي أفرجت عنها الحكومة النرويجية التي استندت فيها إلى شبكة مشغلي البنية التحتية، وتحمل اسم “يوروبيان هيدروجين باكبون” تمتلك أوسلو القدرة لإنتاج ما يصل إلى 50 تيراواط من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، و150 تيراواط بحلول عام 2040. يُشار هنا إلى أنه من المتوقع أن تسجل النرويج مستويات متواضعة من استهلاك الهيدروجين الأخضر محليًا. من ناحية أخرى تتطلّع كل من النرويج وألمانيا لتأسيس علاقة إستراتيجية في مجالات المناخ والطاقة المتجددة، والصناعة الخضراء، في إطار هدفهما المشترك في التحول إلى الاقتصاد القائم على استخدام مصادر الطاقة النظيفة، بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وتحتاج تلك العلاقة الإستراتيجية بين البلدين لأن توضع في إطار خطة عمل خاصة في قطاع الطاقة، مثل إنشاء شبكات مزارع الرياح البحرية.

خط أنابيب لنقل هيدروجين
يبدو أن الهيدروجين الأخضر سيكون هو القاسم المشترك الأبرز في معادلة التجارة المهمة بين أوسلو وبرلين، إذ أعلنت “تي إس أو غاسكو،” شركة الغاز النرويجية، أنها تعُد العُدة لمد خط أنابيب لنقل هيدروجين إلى ألمانيا، وهو المشروع الذي من الممكن أن يكتمل في عام 2030، بسعة تصل إلى 4 ملايين طن هيدروجين سنويًا. وقال مدير المشروعات في “غاسكو” أود إيفن جاكوبسون -خلال تصريحات أدلى بها إلى موقع “مونتيل”، ورصدتها منصة الطاقة المتخصصة- إنه عند سعته القصوى يمكن أن ينقل خط الأنابيب المخطط إنشاؤه هيدروجين بسعة 18 غيغاواط، وهو ما يعتمد على جودة الهيدروجين المنتَج. ويحتاج هذا إلى كهرباء بسعة تتراوح من 130-160 تيراواط/ساعة لإنتاج الهيدروجين الأزرق، باستعمال الغاز الطبيعي، أو نحو 230 تيراواط/ساعة لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستعمال جهاز محلل كهربائي سعة 26.5 غيغاواط، وفقًا لتقديرات أعدتها شركة “إكوينور” النفطية النرويجية، ومواطنتها شركة “جرينستات” المتخصصة في حلول الطاقة النظيفة. وتنفذ “غاسكو” دراسة الجدوى التي أطلقتها أوائل هذا العام (2023)، بالتعاون مع كيانات نرويجية وألمانية، وسيُنتهى منها في الربيع المقبل. ولا تخطط “غاسكو” لبناء خط أنبوب الهيدروجين الأخضر بنفسها، ولكنها بدلاً من ذلك تقيّم ما إذا كان المشروع ذا جدوى من الناحية التجارية والتقنية. وتشارك 13 شركة في جزئية النقل المتضمنة في تلك الدراسة، وهي تعكف الآن على تقييم ما إذا كانت تستطيع أن تستعمل خطوط أنابيب بحر الشمال، وإعادة تطويعها بما يخدم أهدافها، أم أنه ينبغي عليها بناء خطوط أنابيب جديدة.

الهيدروجين الأزرق
قال مدير المشروعات في “غاسكو” إن ثمة ضرورة لإنتاج الهيدروجين على نطاق واسع، بغية تنفيذ هذا النوع من المشروعات الصناعية. ويستهدف الاتحاد الأوروبي إنتاج 10 ملايين طن من الهيدرجين الأخضر، واستيراد كمية مناظرة بحلول عام 2030. وسبق أن قدّرت “غاسكو” حجم إنتاج الهيدروجين الأخضر المُنتَج في النرويج بما يتراوح من 2-3 غيغاواط بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، وهو ما يعادل نحو 0.5 مليون طن من الهيدروجين، أو نحو 5% من إجمالي احتياجات استيراد هذه السلعة في دول الاتحاد الأوروبي. يُذكر أن تكلفة إنشاء خط أنابيب هيدروجين يصل النرويج بألمانيا قد تلامس 20 مليار كرونة نرويجية على الأقل (نحو ملياري دولار أميركي أو 1.9 مليار يورو)، بحسب تقديرات سابقة نشرها “مونتيل”.

الاتحاد الأوروبي يلجأ إلى دول التعاون الخليجي لتأمين إمدادات الطاقة

وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على شراكة إستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، تشمل مجموعة واسعة من المجالات الرئيسة، من بينها تغير المناخ والتحول الأخضر وأمن الطاقة والتحديات الأمنية العالمية والإقليمية. وشدد المجلس -في وثيقة اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- على أن بناء شراكة إستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، تُعد أولوية رئيسة للاتحاد الأوروبي. وسيستخدم الاتحاد الأوروبي جميع أدواته، بما في ذلك الصفقة الخضراء، لضمان التنفيذ الفعّال والسريع لهذه الشراكة الإستراتيجية الجديدة مع منطقة الخليج.

تعاون وثيق بين أوروبا والخليج
أكد المجلس الأوروبي ترحيبه بالاتصال المشترك للمفوضية الأوروبية والممثل السامي، بوصفه خريطة طريق عملية نحو شراكة إستراتيجية مع الشركاء الخليجيين، داعيًا إلى تنفيذها بسرعة وفاعلية. وأشار إلى أن التعاون الوثيق والفعّال بين الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيين “ضروري لتحقيق الأهداف الرئيسة للاتحاد”، وتحقيق انتعاش اقتصادي قوي، وإمدادات طاقة مستدامة وميسورة التكلفة وآمنة للمستهلكين الأوروبيين.

ويتعلق هذا التعاون بالانتقال الأخضر بين أوروبا وشركائها، للمساهمة في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والاستجابة القوية للاحتياجات الإنسانية والإنمائية العالمية، وفق ما جاء في الوثيقة التي أصدرها المجلس الأوروبي. وشدد على أن منطقة الخليج المستقرة الآمنة والخضراء والمزدهرة تُعد أولوية إستراتيجية مشتركة ومصلحة أساسية لكل من الاتحاد الأوروبي وشركائه الخليجيين.

وأكد المجلس، الترابط المتبادل والحاجة إلى التعاون الوثيق، في وقت يتسم بانعدام الأمن والتحديات الكبيرة، وبينما يواجه العالم عواقب العدوان الروسي على أوكرانيا، والانتعاش الاقتصادي المستدام بعد جائحة كورونا، والتحول الأخضر، وأزمة المناخ، والتحول الرقمي، والحاجة إلى حل النزاعات بشكل مستدام.

تغير المناخ والحياد الكربوني
أوضح المجلس الأوروبي -خلال اجتماعه اليوم الإثنين في لوكسمبرغ- أن مكافحة تغير المناخ وتسريع الانتقال العادل نحو الحياد المناخي يُعدان من التحديات الرئيسة المشتركة ومجالات التعاون الوثيق، لا سيما في ضوء قمتي المناخ كوب 27 وكوب 28 المقرر عقدهما في مصر والإمارات على التوالي.

ويشجع الاتحاد الأوروبي شركاء الخليج على تحديث مساهماتهم المحددة وطنيًا، والإبلاغ عن إستراتيجيات المناخ طويلة الأجل، وتسريع العمل المناخي الطموح، وتكثيف التحول الأخضر بما يتماشى مع تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

كما يشجعهم على المشاركة بنشاط في المنصة الدولية للتمويل المستدام، مشيرًا إلى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، والمبادرة الخضراء السعودية، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والتعهد العالمي بشأن الميثان، بوصفها خير مثال على تنسيق العمل نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس.

وفي سياقٍ متصل، ذكر المجلس الأوروبي أن التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي والخليج ضروري أيضًا لتحقيق أهداف التنوع البيولوجي الطموحة لجدول أعمال الأمم المتحدة 2030، في ضوء اتفاقية التنوع البيولوجي كوب 15 في وقت لاحق من هذا العام.

علاوة على ذلك، يُعد الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري واستخدامه المستدام، بما في ذلك الحد من الانبعاثات من النقل البحري أولوية مشتركة أيضًا نظرًا لارتفاع حجم الشحن في منطقة الخليج، وفق المعلومات التي جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتُعد إدارة النفايات، والاقتصاد الدائري، وإعادة التدوير، وبناء أنظمة غذائية مستدامة وصديقة للبيئة، ومكافحة التصحر، من المجالات الحاسمة التي يجب أن يتبادل فيها الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيون الخبرات ويعملون معًا بشكل وثيق.

إمدادات الغاز المسال والهيدروجين
الشراكة القوية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي ضرورية أيضًا في سياق أمن الطاقة والتحول الأخضر. إذ أشارت الوثيقة -التي تتكون من 21 بندًا- إلى أنه يُمكن للاتحاد الأوروبي ودول الخليج تحقيق مكاسب في اعتماد توفير الطاقة وكفاءتها لتقليل كثافة الطاقة، إذ يُمكن لدول الاتحاد الأوروبي توفير التقنيات والمهارات مع إشارة خاصة للتخزين والنقل. وشدد المجلس على أن شركاء الخليج هم مزودون موثوقون للغاز الطبيعي المسال للأسواق الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، للحد من تقلب الأسواق العالمية، وضمان الانتقال السلس.

كما يُمكن أن يعمل شركاء الاتحاد الأوروبي والخليج معًا لدعم الجهود العالمية للحد من انبعاثات غاز الميثان، والمساهمة في إزالة الكربون عن قطاع النفط والغاز. وأكد المجلس أن التعاون سيكون مفيدًا للطرفين، في ضوء إمكاناتهما الرائعة لقيادة الانتقال نحو إزالة الكربون، وأن يصبحا مصدرين رئيسين للطاقة المتجددة والهيدروجين المتجدد.

وبحسب الوثيقة التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، يجب على شركاء الاتحاد الأوروبي والخليج استكشاف كيفية بناء أسواق للهيدروجين المتجدد، التي تمكّن من تحقيق مستقبل يمكن أن تصبح فيه دول الخليج موردًا موثوقًا به للطاقة المتجددة إلى الاتحاد الأوروبي.

ونظرًا لأهمية تكامل الطاقة الإقليمي، سيجري أيضًا استكشاف الفرص للاستثمارات الإقليمية والتعاون الثلاثي مع شركاء الخليج، استنادًا إلى شراكة الهيدروجين الأخضر في البحر الأبيض المتوسط المستقبلية، بالإضافة إلى البناء على المشروعات القائمة في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط.

كما يؤيد المجلس مقترحات المفوضية لإنشاء فريق من مجموعة خبراء الطاقة والمناخ بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وعقد اجتماعات وزارية قطاعية سنوية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن تلك الجوانب.