اتهام روسيا بارتكاب مجزرة في بوتشا.. دعوات دولية للتحقيق وموسكو تنفي مسؤوليتها وتدعو لاجتماع مجلس الأمن

طالب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأحد، بالتحقيق في مقتل عشرات المدنيين بمدينة بوتشا قرب العاصمة الأوكرانية كييف، في حين نفت روسيا مسؤوليتها. وانتشرت بمنصات التواصل الاجتماعي صور لعشرات الجثث والدمار الذي لحق شوارع بوتشا، في وقت أفادت تقارير إعلامية أوكرانية بالعثور على 57 جثة في أحد المقابر الجماعية بالمدينة. وقد أعرب غوتيريش، في بيان صادر عن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام، عن صدمته الشديدة “من صور المدنيين الذين قتلوا في بوتشا الأوكرانية”.

وأضاف أنه “من الضروري أن يؤدي تحقيق مستقل إلى مساءلة فعالة (حول مقتل المدنيين بالمدينة)”. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحد إن القيادة الروسية مسؤولة عن قتل المدنيين في بوتشا، حيث عثر على عشرات الجثث بعد انسحاب القوات الروسية من المدينة. كما تعهد بالتحقيق في كل “الجرائم” الروسية في بلاده. وأوضح زيلينسكي في خطاب بالفيديو “أريد من جميع قادة روسيا الاتحادية أن يروا كيف يتم تنفيذ أوامرهم، هذه الأنواع من الأوامر. وهناك مسؤولية مشتركة عن عمليات القتل هذه، عن هذا التعذيب، عن إطلاق النار في مؤخر الرأس”.

 

آلية محاكمة

وقال زيلينسكي إنه أنشأ “آلية خاصة” للتحقيق في “الجرائم” الروسية في أوكرانيا، وتعهد العثور على “كل” المسؤولين ومعاقبتهم بعد ظهور أدلة على قتل مدنيين في مدن قرب كييف. وتعهد بأن “يتم إدراج كل مذنب بارتكاب مثل هذه الجرائم في سجلّ خاص للجلادين، وسيتم العثور عليه ومعاقبته”. وقد نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية صورا قالت إنها من بوتشا تُظهر جثثا متناثرة في الشوارع، متهمة القوات الروسية التي كانت تسيطر على البلدة بتنفيذ إعدامات بين السكان. وشبهت الوزارة الوضع في بوتشا بما جرى في سربرنيتسا البوسنية التي قتل فيها الآلاف منتصف التسعينيات. وأظهرت صور حجم الدمار الذي شهدته بوتشا التي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها مؤخرا.وكان رئيس بلدية بوتشا أناتولي فيدوروك قال إن 300 من السكان قتلوا خلال الحرب الروسية المستمرة منذ أكثر من شهر. وعُثر الأحد على 57 جثة في مقبرة جماعية، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول الإغاثة المحلي سيرهي كابليتشني. كما أظهرت صورٌ حجم الدمار الذي شهده مطار أنتونوف (قرب كييف) والذي استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليه أيضا. ودعا رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شيمهال شركاء بلاده لفرض مزيد من العقوبات على روسيا “بعد أن أظهرت جرائمها وجهها الحقيقي”.

 

نفي روسي

ونفت وزارة الدفاع الروسية تعرض المدنيين في بوتشا لأي اعتداء عندما كانت المدينة تحت سيطرة القوات الروسية. ووصفت الوزارة كل الصور والتسجيلات المصورة -التي نشرتها كييف لمزاعم جرائم اقترفتها القوات الروسية بحق المدنيين في بوتشا- بأنها عمل استفزازي، واستعراض جديد من قبل السلطات الأوكرانية. وزعمت وزارة الدفاع الروسية أن المناطق الجنوبية في بوتشا تعرّضت في وقت سابق لإطلاق نار كثيف من قبل القوات الأوكرانية باستخدام المدفعية الثقيلة والدبابات وراجمات الصواريخ. وأكدت هذه الوزارة أن كل القوات الروسية خرجت بشكل كامل من بوتشا في 30 مارس/آذار الماضي. وطلبت موسكو من مجلس الأمن الدولي عقد جلسة غدا الاثنين لمناقشة ما وصفته بأنه “استفزاز من قبل متطرفين أوكرانيين” في بوتشا بعد أن اتهمت كييف القوات الروسية بقتل مدنيين هناك. وكتب ديمتري بولانسكي النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، على تطبيق تليغرام “في ضوء الاستفزاز الصارخ من قبل المتطرفين الأوكرانيين في بوتشا، طلبت روسيا عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

 

مزيد من العقوبات

وكان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا اتهم القوات الروسية بتعمد ارتكاب مذبحة في بوتشا، وفق تعبيره. وقال -في تغريدة- إن ما جرى في هذه البلدة يهدف إلى القضاء على أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين. وطالب كوليبا مجموعة دول السبع بحظر المواد البترولية الروسية، وإغلاق جميع الموانئ أمام سفن روسيا وبضائعها، وفصل بنوكها عن نظام سويفت. وكان نائب وزير الدفاع الأوكراني أعلن أن قوات بلاده استعادت السيطرة على منطقة كييف كاملة. ونشرت وسائل إعلام أوكرانية صورا قالت إنها لآليات عسكرية روسية مدمرة على إحدى ضفتي نهر إربين، في ضواحي كييف. ومن ناحيته أعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن صدمته مما سماها “مشاهد القتل والفظاعات” التي ارتكبها الجيش الروسي في المناطق التي استعادتها السلطات الأوكرانية. وقال ميشال إن الاتحاد الأوروبي سيساعد المنظمات الحقوقية وأوكرانيا في جمع الأدلة اللازمة لتقديمها للمحاكم الدولية، مضيفا أن الاتحاد سيقدم مزيدا من الدعم لأوكرانيا، وسيفرض مزيدا من العقوبات على موسكو. ومن جانبه ذكر مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن دول الاتحاد “مصدومة مما يرد من أنباء عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا” مؤكدا أن الاتحاد سيساعد في توثيق جرائم الحرب.

 

محاكمة المسؤولين

قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن المشاهد الواردة من بوتشا لا تطاق، وإن “عنف بوتين المتفشي لا يعرف حدودا”. وقد استنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصور “التي لا تُحتمل” من بوتشا، مشددا على ضرورة “أن تُحاسب السلطات الروسية على جرائم” قتل المدنيين. وكتب على تويتر “في الشوارع، قُتل مئات المدنيين بجُبن”. كما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد إنه يدين بشدة “الانتهاكات الجسيمة” التي ارتكبتها القوات الروسية بأوكرانيا الأسابيع القليلة الماضية. وأشار لودريان تحديدا إلى بوتشا، قائلا -في بيان- إن مثل هذه الانتهاكات من شأنها أن تشكل جرائم حرب، وأن فرنسا ستعمل مع السلطات الأوكرانية والمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين عنها. كما أبدت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين صدمة بلادها لسماع روايات عن جرائم ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا، ودعت موسكو إلى تحمل مسؤولية تصرفات قواتها. ودعت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس إلى التحقيق في “الهجمات العشوائية على المدنيين الأبرياء خلال الغزو الروسي غير القانوني وغير المبرر لأوكرانيا” بوصفها جرائم حرب. وقالت تروس إنه مع إجبار القوات الروسية على التراجع، تتزايد الأدلة على ارتكاب أعمال مروعة من قبل “القوات الغازية” في مدن مثل إربين وبوتشا.

وأكدت أنه لن يُسمح لروسيا بالتستر على تورطها في هذه الفظائع، وفق تعبيرها، وأن المملكة المتحدة ستضمن كشف حقيقة هذه التصرفات. وأوضحت أن لندن ستدعم بشكل كامل أي تحقيقات تجريها المحكمة الجنائية الدولية. وشددت الوزيرة البريطانية على أنه من الضروري أن يواصل المجتمع الدولي تزويد أوكرانيا بالدعم الإنساني والعسكري الذي تحتاجه، مع زيادة العقوبات لقطع التمويل عن آلة بوتين الحربية، وفق قولها.