منذ طلبت أوكرانيا في 28 فبراير/شباط الماضي رسميا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كرر رئيسها فولوديمير زيلينسكي مناشدته بضرورة أن يكون ذلك فورا “بموجب إجراء خاص جديد”.
وفي وقت سابق قال زيلينسكي، في رسالة وجهها إلى البرلمان الأوروبي عبر الفيديو، “نكافح لنصبح عضوا كامل العضوية في أوروبا، وأعتقد أننا نظهر للعالم بأسره اليوم أننا نستحق ذلك”.
وأكد الرئيس الأوكراني أن بلاده باتت قريبة جدا من الانضمام إلى الاتحاد، وأن المفوضية الأوروبية وحكومته تتحركان معا نحو هذا الهدف الإستراتيجي.
وتتباين مواقف ممثلي 27 بلدا أوروبيا حيال الطلب الأوكراني بين مرحّب وداع لتسريع إجراءات الانضمام، وبين رافض ومطالب بالتمهّل. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الأسبوع الماضي، في تغريدة على تويتر، أن المفوضية ستبدي رأيها الشهر المقبل في مسألة ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. تتناول الجزيرة نت بصيغة سؤال وجواب مع مراقبين ومحللين الجوانب المتعلقة باحتمال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد وإمكانيته ومخاطره.
ما شروط انضمام دولة جديدة للاتحاد الأوروبي؟
يُطلق على شروط انضمام دولة جديدة للاتحاد الأوروبي اسم “معايير كوبنهاغن” التي حددتها معاهدة لشبونة، ويحيل مجلس الاتحاد طلبات الانضمام إلى المفوضية ويطلب منها تقييم قدرة تلك الدولة على الالتزام بهذه المعايير التي تتلخص في: “الديمقراطية المستقرة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحرية والمساواة، واقتصاد السوق الحرة، وضرورة قبول كل تشريعات الاتحاد الأوروبي”.
ويقول المحلل والأكاديمي الباحث في جامعة “نانتير” بباريس، أحمد الجديدي، إن الانضمام إلى الاتحاد مفتوح أمام الدول الأوروبية المستعدة للتوقيع على المعاهدات التأسيسية الثلاث التي تقبل بتطبيق القانون الأوروبي بأكمله.
وفيما يخص شروط الانضمام، يعتقد الجديدي، في حديثه للجزيرة نت، أنها ليست موضوعا للتفاوض، فعلى الدول المرشحة أن تقبل كل التشريعات والاتفاقيات التي تحكم الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي.
هل يمكن ضمّ دولة في حالة حرب وفق “إجراء خاص” وتجاوز الشروط العادية؟
رغم المطالب الأوكرانية بتسريع الانضمام للاتحاد “وفق إجراء خاص” واختصار الإجراءات العادية المعقّدة فإن معاهدات الاتحاد والمادة (49) تحديدا من معاهدة لشبونة المتعلقة بطلبات الانضمام لا يوجد فيها مثل هذا الإجراء، ولخلق هذه الآلية السريعة لا بدّ من تغيير فصول المادة (49)، وهذا يتطلب سنوات من النقاش.
ويرى الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة “ديكارت 5″، جمال بن كريد، أنه قانونيا ليست هناك شروط موضوعية لتحقيق هذا “الإجراء الخاص”، لذلك فهو “مجرد طلب عاطفي سياسي لا يجد أسباب تحقّقه واقعيا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي”.
ويشدّد بن كريد، في حديثه للجزيرة نت، على أن “أوروبا لا تريد أوكرانيا داخل الاتحاد، بل إن أوكرانيا مجرد وسيلة في يد الاتحاد والولايات المتحدة لإنهاك روسيا وإضعافها. ويقول الأكاديمي إن أوروبا ليس لها أي ربح من دخول أوكرانيا للاتحاد؛ “وتبقى المساعدات المالية والعسكرية والدعاية الكبيرة لأوكرانيا مجرد جزء من اللعبة السياسية الخطيرة التي تلعبها دول الاتحاد”، في رأيه.
مَن الدول المؤيدة لتسريع انضمام أوكرانيا؟
تدعم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بقوة انضمام أوكرانيا للاتحاد، وقالت في وقت سابق في مقابلة مع قناة “يورونيوز” واصفة الأوكرانيين “إنهم منّا، ونريد أن يكونوا في الداخل”.
وكان رؤساء ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي: جمهورية التشيك ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، دعوا في رسالة مفتوحة للاتحاد إلى بدء محادثات انضمام أوكرانيا “على نحو فوري”. كما قال مصدر دبلوماسي للوكالة الفرنسية إن 4 دول أخرى تدعم أوكرانيا بينها السويد والمجر وكرواتيا.
من الدول الرافضة للمعاملة الخاصة لأوكرانيا؟
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، أن انضمام أوكرانيا المحتمل قد يستغرق “عقودا”، وحافظ بذلك على موقفه ذاته الذي صرّح به في قمة قادة الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار الماضي بمدينة فرساي حيث قال إن “المجلس الأوروبي أعلن في رسالة قوية وواضحة مصير أوكرانيا في أوروبا، هل يمكننا اتخاذ تدابير استثنائية لدولة ما في حالة حرب من دون احترام لمعايير الانضمام تلك؟ الإجابة لا”.
وأما رئيس الوزراء الهولندي مارك روته فقال “ليس هناك من مسار سريع”، وهو موقف المستشار الألماني أولاف شولتز أيضا الذي قال في القمة نفسها إن “على الاتحاد الأوروبي أن يعمّق شراكته مع أوكرانيا بدلا من الحديث عن انضمامها لعضويته”.
وكذلك فعل رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتي الذي حذّر من إعطاء “كييف” الانطباع أن “كل شيء يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها”.
وشدّد سكرتير الدولة الإيطالي للشؤون الأوروبية فينتشنزو أمندولا على أنه “لا يمكن قبول انضمام (دولة) عندما تكون في حالة حرب؛ إذا أصبح لدينا جنرال روسي في كييف خلال 15 يوما فماذا سنفعل؟”.
لماذا يُعدّ طلب انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي معقّدا فعلا؟
يوضح بن كريد أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي مسألة معقدة جدا، إذ ليست لها هياكل اقتصادية أو سياسية منظمة بدرجة واضحة تسهّل الانضمام، فضلا عن الاختلافات الجوهرية في البنية السياسية بين أوكرانيا وبقية دول الاتحاد.
ولذلك يعتقد بن كريد أن انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي “عبارة عن وهم صعب التحقق ولغم قابل للانفجار في أي لحظة”. ويؤكد قوله “واقعيا الاتحاد الأوروبي كسوق اقتصادية ونقدية تجعل من الصعب على أوكرانيا الانضمام لأن اقتصادها هش وغير متماسك وغير متوازن ولا يمكن أن يحقق الاندماج المطلوب منه مع اقتصاديات بقية الدول الأوروبية”.
ما المخاطر الأمنية والإستراتيجية في تسريع إجراءات الانضمام؟
يرى أحمد الجديدي أن ضم أوكرانيا بسرعة للاتحاد “قد يمثل انتهاكا للقانون الأوروبي”، وأن دخولها في الوقت الراهن يبدو غير واقعي ومتسرع وكرد فعل؛ بل قد يُقحم الاتحاد في حالة حرب مع روسيا طبقا لما تنص عليه معاهدة لشبونة 2007 حيث تطرقت إلى “شرط المساعدة المتبادلة”، أي على غرار ما ورد في معاهدة حلف شمال الأطلسي حول مبدأ الدفاع الجماعي، التي تنص على أن “أي هجوم على دول عضوة يعدّ هجوما على كل الأعضاء”.
من ناحيته، يرى بن كريد أن من الصعب على أوكرانيا حاليا دخول الاتحاد الأوروبي لأن ميزان القوى ليس في مصلحة دوله، واذا قامت هذه الدول بتسريع إجراءات انضمام أوكرانيا فإن الحرب ستتوسع إلى مولدوفا وربما إلى رقعة أكبر في أوروبا.
هل يمكن أن تكون “المنظمة السياسية الأوروبية” حلا مؤقتا لأوكرانيا؟
يعتقد بن كريد أن مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص “المنظمة السياسية الأوروبية” لن ينجح ويحقق المعادلة التي يبحث عنها؛ ومن ثم لن يستطيع أن يضم دولا جديدة في المنظمة ولا يمكن أن يكون حلا بديلا لأوكرانيا. ولكن على عكسه، يرى الجديدي أن فكرة المنظمة السياسية الأوروبية يمكن أن تكون غطاء تفاوضيا بديلا لشروط الانضمام العادية المعقّدة التي تستمر سنوات.
ما موقف روسيا من طلب أوكرانيا الانضمام إلى الاتحاد؟
يقول بن كريد إن روسيا مقتنعة بأن أوكرانيا تنتمي إليها، ومن ثم فإن فكرة انضمامها للاتحاد الأوروبي خطيرة وخط أحمر لموسكو مثل فكرة انضمامها للناتو التي ترفضها روسيا.
وتعرف روسيا هذا الخطر، لذا تدافع عن مبدأ حياد أوكرانيا، وهي مستعدة للذهاب بعيدا مثلما صرح مسؤولوها في هذه النقطة والدفاع عن أمنها الإستراتيجي بكل الوسائل المتاحة حتى لو تطلب ذلك استعمال السلاح النووي. وحسب المحلل، فإن هناك اندماجا تاريخيا ووجدانيا وفكريا وهيكليا وسياسيا بين روسيا وأوكرانيا، جعل الزعيم السوفياتي السابق لينين يخاطب عام 1921 وزير خارجيته في ذلك الوقت تروتسكي بالقول “إذا فقدنا أوكرانيا فقد فقدنا رأسنا”.