تُعَد مصفاة جازان التابعة لشركة أرامكو السعودية واحدة من أكبر مصافي تكرير النفط في المنطقة العربية، بالإضافة إلى أنها الأحدث والأكثر تطورًا واستدامة. والمصفاة الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة تُعد واحدة من مشروعات أرامكو لزيادة طاقة تكرير النفط إلى ما بين 8 و10 ملايين برميل يوميًا بحلول 2030، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة. ومن المقرر أن تصل طاقة المصفاة إلى 400 ألف برميل يوميًا، ومن المتوقع تشغيلها تجاريًا بحلول العام المقبل (2023)، إذ تعمل -حاليًا- بنصف طاقتها، وبدأت في مايو/أيار الماضي تصدير منتجاتها المكررة.
مجمع جازان للتكرير
وضعت السعودية في عام 2006 خططًا طموحةً لبناء مدينة صناعية جديدة في جازان الواقعة أقصى الجنوب الغربي من المملكة؛ بهدف تعزيز التطور والنمو الاقتصادي للمنطقة. ويقع مجمع جازان للتكرير والبتروكيماويات المتكامل في قلب مشروع مدينة جازان الاقتصادية، إذ جاء المشروع ثمرةً لاستثمار بقيمة 21 مليار دولار. ويُتوقع عند تشغيل المشروع بكامل طاقته أن يعمل على إنتاج منتجات عالية القيمة، وطاقة كهربائية مستدامة، تعمل على تلبية الاحتياجات المحلية وتعزيز إنتاج الطاقة في المملكة.
توفير الوقود والكهرباء
صُممت مصفاة جازان -التي تبلغ سعتها الإنتاجية 400 ألف برميل يوميًا وتُعد جزءًا حيويًا من المشروع- لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات عندما تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، تشمل البنزين والديزل ذي المحتوى الكبريتي فائق الانخفاض، ومادتي البنزين والبارازيلين. ومع تشغيل المحطة بكامل طاقتها، ستبدأ بمعالجة الخام العربي الثقيل والمتوسط لإنتاج قرابة 75 ألف برميل يوميًا من البنزين، و250 ألف برميل يوميًا من الديزل منخفض الكبريت، و90 ألف برميل من مخلفات التقطير الفراغي لمحطة الكهرباء. كما ستوفّر اللقيم لمحطة الكهرباء العاملة بتقنيتي التغويز والدورة المركبة المتكاملة التي تنتج الطاقة الكهربائية والغازات الصناعية. وتُعَد محطة الكهرباء في المشروع الأكبر من نوعها على مستوى العالم، إذ يمكنها إنتاج 3.8 غيغاواط من الكهرباء، ولا يتوقف إنتاجها عند تلبية حاجة المحطة من الطاقة أو حاجة الصناعات المحلية التي تشهد توسعًا فحسب، وإنما تزوّد الملايين من المنازل في المنطقة.
أحدث التقنيات
استعانت شركة أرامكو السعودية -خلال تنفيذ مشروع مصفاة جازان الذي استمر قرابة 8 سنوات- بأحدث التنقيات بما يدعم خطط المملكة لخفض الانبعاثات. وأشارت شركة أرامكو إلى أن الاستدامة وتحقيق أعلى الفوائد من الموارد الهيدروكربونية عبر تسخير التقنيات الذكية والعمليات المتكاملة تُعد القوة الدافعة لمجمع مصفاة جازان. وعلى سبيل المثال، صُمم معمل التغويز في مصفاة جازان ليُحول النفط الخام منخفض القيمة والمقطّرات الثقيلة (مكونات الوزن الجزيئي المرتفع وشديدة الغليان) إلى منتجاتٍ ذات قيمة أكبر، من خلال عملية التغويز. وتُنتج هذه العملية الغاز الصناعي الذي يتكوّن على الأغلب من الهيدروجين، ليُعالج بعد ذلك للتخلص من الشوائب وإنتاج 99.9% من غاز الهيدروجين. وأوضحت أرامكو السعودية أن هذا المنتج الهيدروجيني النقي يستخدم في عملية التخلص من الكبريت في منتجات المصفاة، الأمر الذي يؤدي إلى توفير أنواع وقود احتراق أكثر نظافة، مثل الديزل والبنزين منخفضي الكبريت. وأضافت -في تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة، حول مصفاة جازان-: “يُنتج الغاز الصناعي كذلك من تغويز رجيع التقطير الفراغي، وهو منتج منخفض القيمة يستخدم تقليديًا كزيت وقود للصناعة والملاحة.. وبعد ذلك يجب تبريد الغازات الصناعية الحارة الناتجة عن التغويز قبل معالجتها، إذ إن هذه الحرارة لا تذهب سُدى”. وخلال عملية التبريد، تُستخلص الطاقة الموجودة في تدفق الغاز المُسخّن في نظام ترشيح مياه الغسل، الذي يعمل على إزالة الجزيئات التي يمكن أن تؤثر في أعمال التكرير والمعالجة والتسويق. ويتدفق الغاز الصناعي الحار عبر جهاز تقليل استهلاك الطاقة، ويبادل الحرارة مع المياه الباردة منزوعة الأملاح لإنتاج البخار. وأكدت شركة أرامكو أن مصفاة جازان صُمّمت لتحتجز الفائض من البخار بأكمله واستخدامه لتحريك التوربينات لإنتاج الكهرباء في معمل توليد الطاقة الكهربائية. وعادة تكون درجة حرارة البخار الفائض مرتفعة للغاية وبدرجة تفوق ما هو مطلوب لتشغيل التوربين، ما يعني أن العملية قد تؤدي إلى إهدار كبير للطاقة.. لكن في مصفاة جازان، تُستخدم الطاقة بوساطة وحدات استخلاص الحرارة.
عمليات مستدامة
تشكّل الاستدامة الأساس في التخطيط لأوجه الأعمال كافّة في مصفاة جازان، وتمثّل الطموح في تعزيز الكفاءة والحدّ من الانبعاثات الكربونية. وعلى سبيل المثال، تضم المصفاة وحدة لإزالة رماد السناج، التي تخفّض من انبعاثات الغبار في الجو، فعادةً ما يُتخلص من الرماد الجاف الذي يُجمع في أثناء هذه العملية في مردم في المرافق الأخرى، لكن في مجمع جازان يُمرر الرماد الجاف لمُشغِّل متخصص لاستخلاص المعادن النادرة مثل النيكل والفاناديوم الموجودة في الرماد. وأكدت شركة أرامكو أن المجمع صُمّم برؤى مستقبلية ليستخلص ما يربو على 7 آلاف و200 طن من النيكل (المستخدم في سك العملة المعدنية، والبطاريات والفولاذ الصلب)، والفاناديوم (الذي يُخلط مع الفولاذ لتصنيع المعدات شديدة التحمّل، والمحركات النفاثة، وقِطع السيارات، ومكونات الآلات) من الرماد الجاف في جازان سنويًا. ومن خلال المحافظة على الطاقة وإعادة استخدام المنتجات الثانوية حيثما أمكن، تهدف الأعمال في مجمع جازان إلى تلازم الكفاءة الصناعية والاستدامة.
تنمية مناطق الجنوب
يؤكد استثمار أرامكو في مصفاة جازان تصميم الشركة لدعم رؤية المملكة لمدينة جازان والمنطقة المحيطة بها، لتصبح مركزًا اقتصاديًا متوازنًا ومتنوعًا. وسيساعد المجمع في تحقيق الرؤية، من خلال توفير فرص عمل مباشرة لأكثر من 1300 مواطن سعودي، ويستقطب المستثمرين من خلال توفير البنية التحتية والموارد التي يحتاجون إليها، وسيجلب كمًا كبيرًا من الأفكار والخبرات الجديدة للمنطقة. ومن المتوقع أن تعمل مصفاة جازان على ما هو أكثر بكثير من مجرد تكريرٍ للنفط، إذ تُسهم في الحلول التي تتبناها شركة أرامكو السعودية للحدّ من الانبعاثات، وتعزيز كفاءة الطاقة، وفي الوقت نفسه، تحويل المنتجات منخفضة القيمة أو الفائضة إلى منتجات نهائية جديدة وذات قيمة كبيرة بحد ذاتها. ويتطلع مجمع جازان إلى أن يقدم نموذجًا للمسار الأفضل والأكثر ذكاءً واستدامةً في مستقبل قطاع الطاقة السعودي من خلال تسخير أحدث العمليات الصناعية وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة في كل مفاصل مصفاة النفط المتكاملة ومحطة الكهرباء.