التنقل الذاتي: المركبات المستقلة وتأثيرها على مدن المستقبل

على قمة موجة التكنولوجيا الناشئة، تعمل المركبات ذاتية القيادة، والمعروفة أيضًا باسم مركبات القيادة الذاتية (AV)، على تشكيل مستقبل التنقل المتقدم والمستدام. إن عالمنا الرقمي المتزايد على وشك تحول عميق يمكن أن تلعب فيه المركبات ذاتية القيادة دورًا بارزًا في إعادة تشكيل مدننا وتحديد معايير جديدة للتنقل والنقل. في هذا السياق، من الضروري فهم التأثير الذي يمكن أن تحدثه ثورة التنقل هذه على مجتمعاتنا واقتصاداتنا. يشير مصطلح “مركبة ذاتية القيادة” إلى مركبة يمكنها العمل دون تدخل مباشر من سائق بشري. من خلال استخدام تقنيات مختلفة، بما في ذلك الرادار ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والليدار وبرامج الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذه المركبات إدراك محيطها وتحديد الأشياء والمواقف واتخاذ القرارات والعمل بأمان دون الحاجة إلى سائق بشري.

وعد المركبات ذاتية القيادة واسع ومتنوع. من تحسين السلامة على الطرق السريعة إلى تقليل الازدحام، وجعل الوقود أكثر كفاءة وتوسيع نطاق التنقل لأولئك الذين لا يستطيعون القيادة حاليًا، مثل كبار السن والمعاقين. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه التكنولوجيا يأتي أيضًا مع تحديات كبيرة، بما في ذلك القضايا الأخلاقية والقانونية والأمنية والبنية التحتية التي يجب معالجتها لضمان انتقال ناجح. من أكثر الجوانب التحويلية للمركبات ذاتية القيادة قدرتها على تغيير الطريقة التي نصمم بها مدننا ونستخدمها. في عالم المركبات ذاتية القيادة، يمكن أن تصبح العديد من العناصر الأساسية لمدننا، مثل مواقف السيارات وإشارات المرور وإشارات المرور والأرصفة، قديمة. تشغل مواقف السيارات على وجه الخصوص مساحة كبيرة في مدننا. في المستقبل مع المركبات المستقلة، يمكن تحرير هذه المساحات لاستخدامات أخرى، مثل الحدائق أو المنازل أو المتاجر.

علاوة على ذلك، يمكن للمركبات ذاتية القيادة تغيير طريقة تفكيرنا في ملكية السيارة. بدلاً من امتلاك سيارة، يمكن للأشخاص اختيار استخدام خدمات التنقل المشتركة القائمة على المركبات ذاتية القيادة. قد يكون لهذا تأثير كبير على تقليل الازدحام وتلوث الهواء في مدننا. ومع ذلك، على الرغم من إمكانية تغيير المركبات ذاتية القيادة لمدننا، إلا أن هناك أيضًا تحديات كبيرة يجب معالجتها. من أبرزها قضية الأمن. على الرغم من أن المركبات ذاتية القيادة لديها القدرة على تقليل عدد حوادث المرور، إلا أنها تشكل أيضًا مخاطر جديدة. يمثل الأمن السيبراني مصدر قلق خاص، حيث يمكن أن تكون المركبات المستقلة عرضة للهجمات الإلكترونية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تحدي القبول العام. قد لا يرتاح الكثير من الناس لفكرة التخلي عن التحكم في سيارتهم لآلة، وقد يستغرق المجتمع وقتًا لقبول هذا الشكل الجديد من التنقل. يثير الانتقال إلى المركبات ذاتية القيادة أيضًا تساؤلات حول الوظائف والاقتصاد. على سبيل المثال، قد يؤدي اعتماد هذه التكنولوجيا إلى فقدان الوظائف في الصناعات المرتبطة بالقيادة، مثل سائقي الشاحنات وسائقي سيارات الأجرة. من ناحية أخرى، يمكن أن تخلق وظائف جديدة في مجالات مثل تطوير البرمجيات والأمن السيبراني. باختصار، تمتلك المركبات ذاتية القيادة القدرة على تغيير مدننا وتغيير طريقة حياتنا بشكل جذري. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى هذا الشكل الجديد من التنقل لن يخلو من التحديات. كمجتمع، يجب أن نكون مستعدين لمواجهة هذه التحديات والتأكد من أن ثورة المركبات المستقلة يتم تسليمها بطريقة تفيد الجميع.

السيارات ذاتية القيادة.. تقرير يكشف استعدادات السعودية لأحدث تقنيات المركبات

في الوقت الذي يتسارع فيه العالم نحو التحول إلى المركبات الكهربائية، تبرز السيارات ذاتية القيادية أحدَ حلول مستقبل التنقل الذكي، خلال السنوات المقبلة.

السعودية واحدة من الدول التي أعطت اهتمامًا كبيرًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعمل على إدخال التطور التقني في مختلف نواحي الحياة، فمع الخطط الطموحة لتنويع اقتصاد المملكة وتطويرها، لن يكون من المستبعد أن ترى خلال السنوات المقبلة السيارات ذاتية القيادة وهي تتجول في شوارع الرياض وجدة وغيرها من المدن.

وحددت جمعية مهندسي السيارات العالمية مستويات السيارات ذاتية القيادة ما بين (0 إلى 5)، وظهر حاليًا في بعض دول العالم أنواع من السيارات الكهربائية التي تتوفر فيها تقنيات خدمة القيادة الذاتية بمستويات وصلت إلى المستوى الرابع، وتعمل كبرى شركات صناعة السيارات في العالم على الوصول إلى المستوى الخامس الذي يجعل القيادة ذاتية التحكم دون أيّ تدخّل بشري، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”.

 

قيادة السيارات الذاتية
قالت الجمعية في إصدار للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، إن السائق يقود المركبة من المستوى صفر إلى المستوى الثاني عند تشغيل ميزات دعم السائق، حتى وإن لم يوجّه المركبة وقدمه بعيدة عن دوّاسات الوقود، علاوة على الإشراف على الميزات الداعمة، وتوجيه المقود، والتحكم في السرعة حسب الحاجة، للحفاظ على السلامة.

وأضافت الجمعية أنه خلال تشغيل السيارات ذاتية القيادة من المستوى 3 إلى 5 لا يوجد حاجة لقيادة السائق للمركبة، حتى وإن كان جالسًا على مقعد السائق، في حين قد يطلب النظام من السائق في المستوى 3 قيادة المركبة، أمّا في المستويين 4 و5 فإن النظام لا يطلب من السائق قيادة المركبة أبدًا؛ لأنه يقودها ذاتيًا، وهي المرحلة التي تعمل على الوصول إليها حاليًا كبرى شركات صناعة السيارات في العالم في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

وإذا شهدت السيارات ذاتية القيادة تطورًا في تقنياتها وزيادة في إنتاجها وتسارعًا في اختباراتها واعتمادًا لسياساتها، فإنه من المتوقع أن تصبح آمنة وموثوقة بحلول عام 2035، ومتاحة تجاريًا في العالم عام 2030، وتشكّل نصف المبيعات الجديدة بعد عام 2045، لتكون في متناول الجميع بحلول عام 2050.

 

إستراتيجية السعودية
تشرف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي على استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة واستشراف العمل بها، إذ تعمل “سدايا” حاليًا مع قطاع النقل لتحسين البنية التحتية للنقل، وتعزيز السلامة في مكوناته، ورفع كفاءة المواصلات، حسبما ورد في إصدارها الإلكتروني لشهر يناير/كانون الثاني 2022، بعنوان “المركبات ذاتية القيادة – تجارب وتحديات”.

وركّزت الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية في السعودية على تمكين القطاع من الاستفادة من التقنيات الحديثة لرفع جودة الحياة وزيادة الاستدامة، إذ تعمل وزارة النقل على عدّة مشروعات، من ضمنها وضع إطار تنظيمي خاص بتقنية السيارات ذاتية القيادة، وبدئ العمل في تجارب السيارات ذاتية القيادة لضمان جاهزية المملكة لتكون رائدة على مستوى المنطقة في هذه التقنيات.

من أجل ذلك، تعتزم الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” إقامة ورشة عمل الخميس المقبل، بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمناقشة الوضع الحالي في المملكة والعالم والتجارب التي طُبِّقَت في السيارات ذاتية القيادة، والاستخدامات الممكنة وتحدّيات إدراج هذه المركبات بالمملكة، فضلًا عن بحث الممكنات التي نحتاجها لإنجاح المشروع، بمشاركة أكثر من 50 ممثلًا ومختصًا من الجهات الحكومية ذات العلاقة.

 

السيارات الكهربائية في السعودية
في هذا الإطار، وقّعت شركة “لوسِيد” للسيارات الكهربائية، التي يُسهم فيها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، مؤخرًا، اتفاقية عن إنشاء أول مصنع لها في السعودية، بطاقة إنتاجية تبلغ 155 ألف سيارة سنويًا، وأكدت المملكة التزامها بشراء 50 ألف سيارة كهربائية مع إمكان شراء 100 ألف سيارة إضافية خلال السنوات الـ10 القادمة.

ومن المرجح البدء في تسليم مركبات المصنع الكهربائية في السوق السعودي خلال الربع الثاني من عام 2023.
وتعدّ الخطوة امتدادًا للعلاقة الاستثمارية الوثيقة التي بدأها صندوق الاستثمارات العامة مع مجموعة لوسيِد منذ عام 2018، والتي أسهمت بدعم جهود المملكة في قطاع صناعة السيارات الكهربائية ضمن إطار رؤية 2030، وتماشيًا مع إستراتيجية الصندوق في دفع عجلة التحول الاقتصادي للمملكة، وإطلاق قطاعات جديدة.

وإضافةً إلى محاولات صنّاع السيارات الكبار وعمالقة التقنية في العالم لإنجاز المستويات المتقدمة من صناعة “المركبات ذاتية القيادة”، فإن الدول الصناعية تتسابق على دعم المشروع وإتمام تجاربه، إذ سيُحدث ثورة ضخمة في عالم صناعة السيارات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 

مزايا السيارات ذاتية القيادة
تمتاز السيارات ذاتية القيادة بقدرتها على استشعار محيطها والتحرك بتحكم واكتفاء ذاتي، ما يجعلها تسهم بتخفيف الزحام المروري في الطرق، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق أعلى درجات السلامة المرورية، وهذه مزايا اهتمت بها رؤية المملكة 2030 في إطار تطلعاتها في الاستفادة من مجالات التقنية والابتكار والعلوم، والحرص على أن تكون المملكة في مصافّ الدول الرائدة باستخدامات التقنيات الحديثة.

ويعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة من الأساليب والطرق الجديدة في برمجة الأنظمة الحاسوبية التي يمكنها أن تُستخدَم في تطوير أنظمة تحاكي بعض عناصر ذكاء الإنسان، لكنه لا يلغي أهمية وجود العقل البشري في أيّ عملية يقوم بها، وهو إحدى التقنيات التي من المحتمل أن تغيّر التوازنات على الصعيد العالمي، كما ذكرت منظمة اليونسكو في رسالتها الدورية لعام 2018.

كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد أكد في كلمته خلال افتتاح أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي عام 2020، أهمية العمل للاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وإطلاق أقصى إمكاناته في سبيل الارتقاء بالمجتمع والاقتصاد لتغدوَ المملكة نموذجًا للذكاء الاصطناعي في العالم.

 

منافسة بين الشركات
تختلف إمكانات الشركات الكبرى في تصنيع تقنيات هذه المركبات وأحجامها، في حين تعمل أكثر من 80 شركة متخصصة على تطوير تقنياتها، بعد أن جمعت من هذا المشروع، خلال عام 2021م، استثمارات قُدّرت بنحو 3 مليارات دولار، كما يعمل المصنّعون لهذه المركبات على معالجة التحديات التشريعية والتقنية والمجتمعية والتخطيطية التي تواجهها.

ووفقًا لمؤشر جاهزية الدول لهذه المركبات الصادر عام 2020م، فإن سنغافورة تحتلّ المركز الأول في تميزها بسياسات وتشريعات جودة الطرق، تليها هولندا؛ نظير تقدّمها في البنية التحتية، خاصة في معدل انتشار محطات شحن المركبات الكهربائية، ثم النرويج، التي حققت أعلى المعدلات في الحصة السوقية للسيارات الكهربائية، فأميركا؛ لتقدّمها في جوانب دعم التقنيات والابتكار ومجالات الحوسبة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي.