أظهرت بيانات تتبع السفن أن بعض شحنات الغاز المسال في حوض المحيط الأطلسي غيّرت وجهتها إلى آسيا، بسبب مستويات التخزين العالية في المحطات الأوروبية، فضلًا عن السقف المحتمل لأسعار الغاز. فقد حُوّل عدد قليل من شحنات التسليم الفوري في حوض المحيط الأطلسي إلى حوض المحيط الهادئ قبل ذروة الشتاء في شمال شرق آسيا، وفق ما نقلته منصة “إس آند بي غلوبال”. إلا أن العديد من المشاركين في السوق أكدوا أنه من السابق لأوانه القول إن آسيا ستستعيد مكانتها المميزة في سوق الغاز الطبيعي المسال، بحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
عوامل تغيير مسار شحنات الغاز المسال
يبدو أن الاتجاه السائد يشير إلى عودة محتملة للطلب الآسيوي على الغاز المسال، إذ تحيط الشكوك بالمحيط الأطلسي بسبب الشتاء المتأخر ومناقشات الاتحاد الأوروبي لوضع سقف للأسعار وفائض التخزين. وقال تاجر مقيم في سنغافورة: “بعض المشغلين يعيدون توجيه شحناتهم في حوض المحيط الأطلسي إلى اليابان وكوريا وتايوان والصين”. وأضاف أن البائعين قد يرغبون في الاستفادة من بعض شحناتهم العائمة في أوروبا والولايات المتحدة بسبب شتاء أكثر دفئًا من المتوقع، بدلًا من تحمُّل التكاليف المرتفعة للغاز المتبخر في أثناء الشحن. لذلك، يُطرح التساؤل التالي: “إذا جاء الشتاء في أوروبا متأخرًا، ولم تتمكن السفن من تفريغ الشحنات للوصول في الوقت المحدد للتحميل التالي، فمن سيدفع ثمن الغاز المتبخر في أثناء الشحن؟”.
عدم اليقين في المحيط الأطلسي
وافقت مصادر أخرى في السوق على هذا الرأي، قائلة: “تفضّل الشركات الكبرى الإفراج عن السفينة مبكرًا للتحميل التالي، بدلًا من الانتظار في المحطات في حوض المحيط الأطلسي”. بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى بعض الشركات إلى وضع اللمسات الأخيرة على الأرباح والخسائر في نتائج أعمالها قبل نهاية العام، عن طريق بيع كميات من الغاز المسال في آسيا. وقد تستمر معظم السفن في البقاء عائمة في أوروبا، لأنها لا تملك طول شحن كافٍ لنقل الشحنات إلى آسيا بسبب ارتفاع تكاليف الشحن. وقالت عدة مصادر في السوق إن معظم البائعين الذين يُرجح أن يظلوا عائمين في حوض المحيط الأطلسي في أعقاب ارتفاع أسعار الشحن، ينتظرون شتاءً أكثر برودة. ومع ذلك، قد يرغب بعض البائعين -الذين يتمتعون بقدرة مرنة على الشحن- في تحويل شحناتهم إلى آسيا، لتجنّب عدم اليقين بشأن السفن العائمة التي انتظرت لمدّة طويلة.
تداعيات سقف أسعار الغاز الأوروبي
في سياقٍ متصل، قد يدفع وضع سقف محتمل لأسعار الغاز في حوض الأطلسي، العديد من البائعين إلى تحويل الغاز المسال من الاتحاد الأوروبي إلى آسيا، بحسب مصدر آخر بالسوق في أوروبا. إذ يسعى زعماء الاتحاد الأوروبي إلى وضع حد أقصى لسعر الغاز المستورد، بما في ذلك الغاز الروسي، لكبح أسعار الطاقة والتضخم القياسي في أسعار المستهلكين. إلا أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي -بما في ذلك ألمانيا- متشككة حول جدوى سقف أسعار الغاز، وتخشى أن يؤدي وضع حد أقصى للسعر إلى تشويه إشارات الأسعار من السوق، وزيادة الاستهلاك. وقد وصف وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي الاقتراح الأوروبي بشأن تحديد أسعار الغاز المسال بأنه “نفاق”، وفق تقارير إعلامية. وأكد الوزير الكعبي أنه على الرغم من تعهد قطر بعدم تحويل شحنات الغاز المسال بعيدًا عن أوروبا، فلا شيء دائم. وقال تجار إن ذلك يُمكن أن يُترجم إلى تحويل محتمل للشحنات إلى آسيا من حوض المحيط الأطلسي.
أوروبا ستظل أقوى من آسيا
تأثرت تدفقات الشحنات بسبب الطلب الفاتر على الغاز الطبيعي المسال من الدول المشترية الرئيسة، بما في ذلك الصين واليابان وكوريا الجنوبية، بسبب مستويات التخزين المرتفعة وإمدادات الغاز المحلية المرتفعة في الصين. وقد يجعل تباطؤ الطلب على استيراد الغاز الطبيعي المسال في الهند بسبب التحول السريع للوقود وزيادة إمدادات الغاز المحلية، شحنات البضائع عبر الأطلسي صعبة. فقد أُعيد توجيه العديد من الشحنات من حوض الأطلسي بصورة متكررة إلى الهند، بدلًا من اليابان وكوريا وتايوان والصين في الماضي، وذلك بفضل أسعار الشحن الأرخص. وبالتالي، من المتوقع أن تظل أوروبا سوقًا أقوى من آسيا، بفضل الزيادة المتوقعة في الطلب على الغاز المسال مع دخول المزيد من سعة تغويز الغاز قيد الخدمة، إلى جانب الانخفاض المستمر في إمدادات الغاز الطبيعي في خطوط الأنابيب. وقال أحد المتعاملين في مجال الغاز المسال في أوروبا: “الطلب الأوروبي الثابت على الغاز المسال وإمدادات خطوط الأنابيب المنخفضة هيكليًا، يبقيان أوروبا في وضع متميز بالنسبة إلى مؤشر اليابان-كوريا”. قال التاجر إن أوروبا قد تستمر في كونها سوقًا متميزة حتى منتصف عام 2024، مدفوعة بالأساسيات.