يمثل توقف إنتاج الليثيوم في أحد أهم المحاور الصناعية في الصين، وهو المورد الرئيسي للمواد المستخدمة في صناعة البطاريات، مشكلة جديدة لقطاع السيارات الكهربائية. بسبب توقف سيتشوان عن إنتاج الليثيوم، من المتوقع أن تواجه الصين نقصًا خطيرًا في المعدن الأساسي، والذي يستخدم إلى حد كبير في بطاريات السيارات الكهربائية. كجزء من التحقيق الذي أجرته الحكومة المحلية في تدهور جودة المياه غير الطبيعية في نهر جين، وهو الرافد الرئيسي لإمدادات المياه لسكان المدينة، مما أثار مخاوف بشأن إنتاج المعدن، المنتجين الرئيسيين في مقاطعة سيتشوان، والمعروفين باسم ” ليثيوم كابيتال اسيا “توقفت خطوط الانتاج. ذكرت صحيفة “ساوث تشاينيز مورنينغ بوست” الصينية.
تعليق جماعي لإنتاج الليثيوم
في الأسبوع الماضي علّقت شركة “يونغ شينغ سبيشال ماتريالز” العاملة في مجال إنتاج بطاريات الملح والمدرجة في بورصة شنغهاي، خط إنتاج كربونات الليثيوم التابع لها في سيتشوان الواقعة جنوب غرب مقاطعة جيانغشي جنوب شرق الصين، لتسهيل سير التحقيقات. وبالمثل كشفت “أنشان هيفي ديوتي ماينينغ ماشينري” المدرجة في بورصة شنغن، ومواطنتها “كانغلونغ دا سبيشال بروتيكشن تكنولوجي” المدرجة في بورصة شنغهاي، شركتان رئيستان أخريان في إنتاج الليثيوم، النقاب عن خطط مماثلة بوقف مصنعيهما لإنتاج كربونات الليثيوم في المدينة، لكنهما لم تكشفا بعد عن سبب الخطوة، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
قيود مرتقبة
لم تكشف أي من الشركات الصينية عن موعد استنئاف إنتاج الليثيوم، إذ أظهرت بيانات ساقتها “شنغهاي ميتالز ماركيت”، المتخصصة في تزويد معلومات السوق، أن قرار وقف الإنتاج يؤثر سلبًا على الأرجح في ما يتراوح من 3 إلى 4 آلاف طن من كربونات الليثيوم التي تنتجها تلك الشركات. وقال المحلل في “إيسينس سيكيوريتيز” المدرجة في بورصة شنغن، تشو زي، في تقرير نُشر الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول (2022): “تشهد صناعة الطاقة الجديدة تطورًا مذهلًا في السنوات الأخيرة، وهو ما ينطبق -أيضًا- على سعة صهر معادن الطاقة، بيد أن معايير الحماية البيئية في عملية الإنتاج مُهملة”. وأضاف تشو زي: “بعد هذه الواقعة، لا نستبعد مطلقًا إمكان أن يصير التلوث بالمعادن الثقيلة عاملًا مقيدًا لعملية تطوير المعادن غير الحديدية، وصناعة الطاقة الجديدة عمومًا”. وتابع: “من ثم يتضح أن الوقاية من التلوث بالمعادن الثقيلة والسيطرة عليها باتت ضرورة مُلحة”.
الطلب على الليثيوم
شهد الطلب العالمي على الليثيوم -الذي يُستخدم على نطاق واسع في البطاريات لتشغيل السيارات الكهربائية- صعودًا، في حين يتطلع العالم لخفض انبعاثات غازات الدفيئة في قطاع النقل بسبب أزمة التغيرات المناخية. وسيطرت الصين -أكبر بلد في العالم في إطلاق الانبعاثات الكربونية، التي تستهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول العام 2060-، على ما نسبته 65% من سعة معالجة الليثيوم وتكريره في عام 2021، وفقًا لأرقام شركة “ريستاد إنرجي” لبحوث واستشارات الطاقة. وتمثّل سيتشوان -التي تحوي أكبر منجم في العالم لمعدن اللبيدوليت الحامل لليثيوم- ما نسبته 31% من إنتاج أكسيد الليثيوم، و12% من إنتاج الليثيوم في العالم، بحسب بيانات رسمية، كما تمتلك احتياطيًا يُقدّر بـ1.1 مليون طن من أكسيد الليثيوم. وتجذب الحكومة المحلية في المدينة -أيضًا- شركات رائدة في سلسلة إمدادات الليثيوم، من بينها “كونتمبراري أمبيريكس تكنولوجي ليمتد” أكبر مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم، و”بي واي دي” أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم.
بطاريات الليثيوم
لطالما يُنظر إلى بطاريات الليثيوم على أنها بديل منخفض الانبعاثات الكربونية، لكن سلسلة إمدادات الليثيوم -بدءًا من التعدين ومرورًا باستخراج المعدن وعملية الصهر ثم التصنيع والتطبيق وانتهاء بإعادة التدوير- محفوفة بالعديد من المخاطر البيئية، إذ إنها تتطلب كميات وفيرة من المياه والكهرباء، وتصريف ملوثات المعادن الثقيلة. وذكرت “بلومبرغ” أن عملية إنتاج طن من الليثيوم تتطلّب قرابة 70 ألف لتر من الماء. وتدل البيانات الصادرة عن شركة “وود ماكنزي” على أن الليثيوم المستخرج من المحلول الملحي يمكن أن تتولّد منه كمية أعلى من غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع 3.5 مرة، بالنظر إلى أن عملية تعدين الإسبودومين الذي يحتوي على الليثيوم تتطلب طاقة مكثفة. وتتخذ الحكومة الصينية إجراءات ملموسة لخفض التداعيات السلبية المصاحبة لصناعة البطاريات، ففي عام 2013 أطلقت وزارة البيئة الصينية معيارًا لانبعاثات المواد الملوثة في صناعة البطاريات، ويحدد المعيار حدودًا لتصريف ملوثات الماء والهواء في سلسلة إمدادات البطاريات.
تهديد صناعة السيارات الكهربائية
واجهت صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في الصين أزمة حادة في أغسطس/آب (2022)، بسبب نقص الإنتاج، بعد أن اضطرت شركات إنتاج الليثيوم إلى خفض الإنتاج أو حتى تعليقه نتيجة القيود المفروضة على استهلاك الكهرباء، التي سبّبتها أسوأ موجة حر تضرب البلد الآسيوي الأكثر تعدادًا للسكان في العالم، منذ 60 عامًا. وأصدرت السلطات المحلية في مقاطعة سيتشوان أوامرها إلى الشركات في 19 من أصل 21 مدينة، بتعليق الإنتاج خلال المدة من 15 أغسطس/آب حتى 20 أغسطس/آب (2022)، لمنح الأولوية لإمدادات الكهرباء السكنية، وفقًا لإخطار أصدرته وزارة الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات في المقاطعة. وبموجب الإخطار، أغلق منتجو الليثيوم والأسمدة والمعادن الأخرى مصانعهم، أو على الأقل خفّضوا الإنتاج في سيتشوان، التي تُعدّ المركز الرئيس لإنتاج الليثيوم في البلاد، وفق ما نقلته وكالة رويترز. ويتزامن هذا مع توقعات أطلقتها شركات إنتاج الليثيوم، تحذّر فيها من استمرار معركة تأمين الإمدادات اللازمة لصناعة البطاريات حتى عام 2030، في ظل انخفاض المعروض وزيادة الطلب، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.