أكثر دول وشركات العالم استثمارا في الميتافيرس

“الميتافيرس” (Metaverse) بيئة افتراضية غامرة، حيث يمكنك الوجود بالفعل مع الناس في البيئة الرقمية والمجتمع الرقمي، ويمكننا التفكير بها على أنها شبكة إنترنت متجسدة، تكون حاضرا فيها فعليا بدل مجرد النظر إليها كما يحدث الآن.

وقال “سيتي بنك” (City bank) الدولي -في تقرير له نشر مؤخرا- إن “اقتصاد الميتافيرس” (Metaverse Economy) قد يصل إلى ما بين 8 تريليونات و13 تريليون دولار بحلول عام 2030.

وتعريف البنك للميتافيرس يتجاوز العوالم الافتراضية -مثل الألعاب والتطبيقات في الواقع الافتراضي- إلى رؤية واسعة تشمل تكنولوجيا التصنيع الذكية، والإعلانات الافتراضية، والأحداث عبر الإنترنت مثل إقامة الحفلات الموسيقية في الميتافيرس، فضلا عن الأشكال الرقمية للأموال، مثل العملات المشفرة كالبيتكوين.

تحت هذه المظلة الواسعة، فإن الميتافيرس تستقطب نحو 5 مليارات “زائر فريد” (unique visitors) بحلول نهاية هذا العقد، وهو ما يعني تحقيق تريليونات الدولارات من العائدات في الجيل التالي من الإنترنت، حسبما قال البنك. لكن ما أكثر الدول والشركات على مستوى العالم استثمارا في الميتافيرس؟ مئات الشركات الأميركية تستثمر عشرات مليارات الدولارات في الميتافيرس، باعتبارها إنترنت المستقبل:

مايكروسوفت.. 70 مليار دولار
في هذا السياق، أعلنت شركة “مايكروسوفت” (Microsoft) يناير/كانون الثاني الماضي أنها ستستحوذ على شركة “أكتيفجن بليزارد” (Activision Blizzard) مطور وناشر ألعاب الفيديو الهائل، لتكون قطاعا لتأمين مكان رئيسي لها في الميتافيرس.

وتعد الصفقة التي تبلغ 70 مليار دولار أكبر صفقة لشركة مايكروسوفت على الإطلاق، وستسمح للشركة بتطوير الألعاب والبرامج المدعومة من الشركة ضمن الميتافيرس في السنوات القادمة، وذلك حسب ما ذكرت منصة “ميك يوز أوف” (makeuseof) في تقرير موسع لها عن أكثر الشركات الأميركية استثمارا في الميتافيرس.

ميتا.. 10 مليارات دولار
غيرت شركة “فيسبوك” (Facebook) اسمها إلى “ميتا” (Meta) في إشارة واضحة إلى رهانها المستقبلي الكبير على الميتافيرس، وفي هذا الإطار استثمرت ميتا ما مجموعه 10 مليارات دولار في تطوير كل من الأجهزة والبرامج التي سيتم استخدامها لتوفير إمكانات “الواقع الافتراضي” (VR) داخل الميتافيرس، وتخطط الشركة أيضا للاستثمار في “الواقع المعزز” (AR)، وهي تقنية أخرى ناشئة ذات مستقبل واعد، وذلك حسب ما ذكر التقرير السابق.

غوغل تبدأ بـ39.5 مليون دولار
بعد أن استثمر عدد من الشركات المنافسة في الميتافيرس، قررت “غوغل” (Google) أخيرا أن تحذو حذوها في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ أعلنت الشركة استثمار 39.5 مليون دولار في صندوق الأسهم الخاصة بها لجميع مشاريع الميتافيرس، لذلك يبدو بالتأكيد أن الشركة تستعد لمستقبل افتراضي ومعزز، وإن كانت في بداياتها فقط، وفق التقرير السابق.

إنفيديا لاعب رئيسي في ميتافيرس المستقبل
بفضل ريادتها في “وحدات معالجة الرسومات” (GPUs)، إذ حققت أرباحا تصل إلى نحو 3 مليارات دولار في الربع الثالث من العام الماضي فقط، فإن “إنفيديا” (Nvidia) في وضع مثالي للاستفادة من الميتافيرس، وستكون لاعبا رئيسيا في هذا المجال في المستقبل، وهي بالفعل تملك حاليا منصتها الخاصة بها من الميتافيرس “إنفيديا أومني فيرس” (Nvidia Omniverse).

وذكر تقرير منصة “ميك يوز أوف” أن الشركة تخطط لتطوير “أفاتار” (avatar) خاص بها يمكن للناس استخدامه لتمثيل أنفسهم في الميتافيرس، وهو أفاتار أكثر تطورا من أفاتار شركة ميتا، ولهذا قد يكون الأفاتار الخاص بك في المستقبل من إنتاج هذه الشركة العملاقة.

الصين جادة جدا بكل شيء يتعلق بالميتافيرس
تبدو الصين في غاية الجدية بكل شيء يتعلق بالميتافيرس، وتظهر الحكومة والشركات الصينية العملاقة اهتماما كبيرا بهذه البيئة الافتراضية الغامرة، وذلك بالاستثمارات الضخمة وعمليات الاستحواذ الكبرى التي تجري في هذا السياق.

وتجاوز عدد طلبات العلامات التجارية الجديدة في الصين التي تحتوي على كلمة الميتافيرس أكثر من 7 آلاف طلب، بدءا من التاسع من ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، وسجلت أكثر من ألف شركة علامات تجارية متعلقة بالميتافيرس، وذلك حسب ما ذكرت منصة “دي كريبت” (decrypt) في تقرير لها مؤخرا.

وانطلاقا من توزيع المدن المسجلة للعلامات التجارية المتعلقة بالميتافيرس، احتلت بكين المرتبة الأولى بـ810؛ تليها غوانغتشو بـ637؛ وشنتشن وشانغهاى بـ519 و419 على التوالي. وبلغت قيمة الاستثمارات الصينية في الميتافيرس خلال العام الماضي فقط أكثر من 10 مليارات يوان، (1 يوان= 0.15 دولار) وهذا الرقم في ازدياد مستمر.

ودخل عمالقة التكنولوجيا الصينية بقوة للسوق، حيث تمتلك شركة “تنسنت” (Tencent) عددا كبيرا من التقنيات والإمكانيات لاستكشاف وتطوير الميتافيرس الخاص بها، وقد تقدمت بطلب لتسجيل العلامات التجارية لـ”كينغ ميتافيرس” (King Metaverse) و”تيانمي ميتافيرس” (Tianmei Metaverse)، كما استثمرت في 67 شركة ألعاب على الأقل هذا العام. وبالنسبة إلى “تنسنت” فإن تركيزها ينصب على مجالي الألعاب والتواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى.

واستثمرت شركة “على بابا ” (Alibaba) بكثافة في “الساند بوكس” (Sandbox) وأنشأت أكاديمية “علي بابا دامو” (Alibaba DAMO) مختبرا خاصا لتطوير الميتافيرس، معلنة أنها ستستكشف “الطبقات الأربع” للميتافيرس: البناء المجسم، والمحاكاة الثلاثية الأبعاد، ودمج الواقعين الافتراضي والواقعي، وربط الافتراضي بالحقيقي.

وكانت الشركة قد استثمرت بشكل كبير في شركة “ماجيك ليب” (Magic Leap) الناشئة المتخصصة في الواقع المعزز منذ سنوات، حسب ما ذكر التقرير السابق. من جانبها قامت شركة “بايت دانس” (ByteDance) الشركة الأم لتطبيق التواصل الاجتماعي الشهير “تيك توك” (TikTok) بخطوة أخرى نحو الميتافيرس، إذ أنفقت 9 مليارات يوان للاستحواذ على شركة صناعة سماعات الرأس “في آر بيكو” (VR Pico)؛ وكانت هذه واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ التي جرت في الصين خلال الفترة الأخيرة.

الهند تستثمر المليارات
الهند من أكثر دول العالم استثمارا في الميتافيرس؛ فحسب تقرير صناعي، بلغ حجم الاستثمارات الهندية في الواقعين المعزز والافتراضي 135 مليارات روبية هندية (1 روبية هندية= 0.013 دولار) عام 2020، مع نسبة نمو وصلت إلى 38% في كل عام، وعلى هذا ستقفز الاستثمارات الهندية إلى 10 أضعاف حجمها الحالي بحلول عام 2027 وذلك حسب ما ذكرت منصة “إيكويتي ماستر” (equitymaster) في تقرير لها مؤخرا.

وقد دخلت شركات التكنولوجيا الهندية الكبرى بقوة للاستثمار في الميتافيرس، ومنها على سبيل المثال شركة “ريليانس إندستريز” (Reliance Industries) وهي الشركة الأكثر قيمة في الهند من حيث رأس المال السوقي، حيث أعلنت الشركة في اجتماعها السنوي الـ43 إطلاق نظارات ذكية أطلقت عليها اسم “جيو غلاس” (Jio Glass)، وهي مصممة للمعلمين والطلاب بحيث تمكنهم من الدخول إلى غرف تدريس افتراضية ثلاثية الأبعاد.

وعلاوة على ذلك، استثمرت الشركة 15 مليون دولار في شركة “تو بلاتفورمز” (Two Platforms) وهي شركة ناشئة في وادي السيليكون مقابل 25% من الأسهم. وهناك الكثير من الشركات الهندية التي دخلت بقوة للسوق، وتستثمر الكثير من الأموال في الميتافيرس.

السعودية تبني ميتافيرس خاصة بها
أعلنت السعودية مؤخرا عن استثمارات بمليارات الدولارات في التقنيات المتقدمة، حيث ستستثمر المملكة أكثر من 6.4 مليارات دولار في هذا المجال، ويتضمن ذلك استثمارا بقيمة مليار دولار في شركة “نيوم تيك آند ديجيتال” (NEOM Tech & Digital)، التي سميت على اسم المدينة المستقبلية في المملكة. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن الشركة تخطط لإطلاق الميتافيرس الخاصة بها في المستقبل.

كما ستستثمر شركة النفط السعودية المملوكة للدولة “أرامكو” مليار دولار في “صندوق رأس المال الاستثماري” (Prosperity7 Ventures)، حتى تركز الشركة على الاستثمار في التكنولوجيا المستقبلية وبالذات تقنية “البلوك شين” (blockchains). هذا عن الدول والشركات العملاقة في العالم، لكن ماذا عن الشعوب والبشر، وهم الهدف الرئيسي لكل هذا المليارات من الاستثمارات.

كيف تنظر شعوب العالم للميتافيرس وأيها أكثر “حبا” وحماسا له؟
ينظر الأشخاص في الدول النامية بشكل أكثر إيجابية إلى الميتافيرس مقارنة بأولئك الذين يعيشون في الدول المتقدمة، ويرى الكثير منهم أن الميتافيرس ستؤثر بشكل إيجابي على حياتهم في المستقبل، مؤكدين أنهم سوف يستخدمونها بشكل يومي.

وأظهرت دراسة استقصائية في “المنتدى الاقتصادي العالمي” (WEF)، نشرت مؤخرا، أن الإثارة تجاه الميتافيرس والواقعين الافتراضي والمعزز أكبر بكثير في البلدان النامية منها في البلدان ذات الدخل المرتفع.

وأصدرت شركة أبحاث السوق “إبسوس” (Ipsos) نتائج الاستطلاع مايو/أيار الماضي، وهو ما يؤشر على أن مفهوم الميتافيرس أصبح معترفا به الآن على نطاق واسع، فقال 52% من أكثر من 21 ألف شخص شملهم الاستطلاع في 29 دولة إنهم على دراية تامة بالميتافيرس، وقال 50% منهم إنهم يكنون مشاعر إيجابية حول استعمالها في حياتهم اليومية.

واحتلت الصين والهند وبيرو والسعودية وكولومبيا المراكز الخمسة الأولى على التوالي، حيث قال ثلثا المشاركين أو أكثر في هذه الدول إن لديهم مشاعر إيجابية تجاهها. وكانت الصين هي الأعلى، حيث كان لدى 78% من الصينيين المشاركين في الاستطلاع مشاعر إيجابية تجاه استخدام الميتافيرس يوميا، تليها الهند بنسبة 75%.

وعلى العكس من ذلك، أظهر الأشخاص في الدول المتقدمة ذات الدخل الأعلى اهتماما أقل بكثير بالميتافيرس، وسجلت اليابان أدنى درجة حيث أظهر 22% فقط مشاعر إيجابية تلتها المملكة المتحدة (26%) وبلجيكا (30%) وكندا (30%) وفرنسا (31%) ثم ألمانيا (31%).

ومن المثير للاهتمام أن مفهوم الميتافيرس نفسه لم يكن مألوفا في تلك البلدان ذات الدخل المرتفع أيضا، حيث كان أقل من 30% في فرنسا وبلجيكا وألمانيا على دراية به. وكانت تركيا أكثر دراية بميتافيرس بنسبة 86%، تليها الهند (80%) والصين (73%) وكوريا الجنوبية (71%)، وسجلت بولندا أدنى مستوى عند 27%.

تم أيضا استطلاع الرأي حول مجالات الحياة التي يعتقدون أن الميتافيرس ستؤثر عليها أكثر، إذ قال الأشخاص في البلدان النامية مثل جنوب أفريقيا والصين والهند إنها ستؤثر بشكل كبير على مجالات مثل التعلم الافتراضي، والترفيه، والتواصل الاجتماعي، وحتى تطبيقات مثل الجراحة عن بُعد.

ومرة أخرى، كان المشاركون من اليابان وبلجيكا وفرنسا ذات الدخل المرتفع لديهم أدنى النسب المئوية لأولئك الذين وافقوا على أن تطبيقات الميتافيرس ستغير حياة الناس بشكل كبير.