الدنمارك تضع ثاني أكسيد الكربون في قاع البحر في خطوة نحو سلبية الكربون

ستحاول شركات الوقود الأحفوري Total و Ineos و Wintershall DEA تخزين ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في الحجر الرملي لخزانات النفط والغاز القديمة في بحر الشمال. قال وزير البيئة الدنماركي لارس أجارد: “هذه ليست مجرد خطوة نحو صناعة خضراء جديدة في بحر الشمال – إنها علامة فارقة في تحولنا الأخضر”. بادئ ذي بدء، ستقوم الشركات بتخزين ثاني أكسيد الكربون الذي تم التقاطه من مصادر صناعية مثل شركات الأسمنت والصلب ومحطات الطاقة. من خلال تعويض الانبعاثات، سيساعد هذا الدنمارك على الوصول إلى الصفر الصافي – عندما لا تنبعث منها غازات دفيئة أكثر مما تمتصه. تمول الحكومة أيضًا أبحاثًا في التقاط الهواء المباشر، حيث يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء بدلاً من المداخن. من الناحية النظرية، يمكن أن يؤدي هذا إلى انبعاثات سلبية. في ديسمبر، نقلت الحكومة الدنماركية هدفها الصافي الصفري من 2050 إلى 2045 وأضافت هدفًا جديدًا لخفض الانبعاثات بنسبة 110٪ بين عامي 1990 و2050.

قال ماتياس سودربيرغ، كبير مستشاري المناخ في مجموعة حملة DanChurchAid، “من منظور طويل، من الجيد أن تصبح الدنمارك سالبة الكربون. ستكون هناك حاجة إلى ذلك، للحفاظ على ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مستوى مستدام. ومع ذلك، هذا نهج طويل الأجل، ويجب على الدنمارك الاستمرار في التركيز على كيفية تقليل الانبعاثات في السنوات القادمة “. الدنمارك لديها بعض من أعلى الانبعاثات التاريخية للفرد في العالم. تقود حكومتها حملة للدول لوقف إنتاج الوقود الأحفوري. تمول الحكومة أيضًا أبحاثًا في التقاط الهواء المباشر، حيث يتم امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء بدلاً من المداخن. من الناحية النظرية، يمكن أن يؤدي هذا إلى انبعاثات سلبية. في ديسمبر، نقلت الحكومة الدنماركية هدفها الصافي الصفري من 2050 إلى 2045 وأضافت هدفًا جديدًا لخفض الانبعاثات بنسبة 110٪ بين عامي 1990 و2050.

وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإنه من الأكثر تكلفة تجنب الانبعاثات من خلال التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون (CCS) بدلاً من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة أو التحول إلى السيارات الكهربائية. لكن احتجاز الكربون وتخزينه هو وسيلة لتقليل الانبعاثات من القطاعات التي يصعب تنظيفها – مثل الصلب والأسمنت والمواد الكيميائية. في عام 2022، قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن تكاليف التقاط وتخزين طن من ثاني أكسيد الكربون تتراوح بين 50 و100 دولار. حتى مع هذا الثمن الباهظ، يعتقد بعض الأكاديميين أن الأمر يستحق ذلك. بينما تقول حكومة الولايات المتحدة حاليًا أن كل طن من ثاني أكسيد الكربون يسبب ضررًا يبلغ 51 دولارًا للمجتمع، فقد قدرت دراسة حديثة في مجلة Nature أن الرقم يبلغ حوالي 185 دولارًا من الأضرار التي لحقت بالمجتمع، مما يجعل الاستثمار في CCS قيمة مقابل المال مقارنة بعدم القيام بذلك.

نظرًا لأن شحن الغاز باهظ التكلفة، فإن تخزينه على اليابسة أرخص عمومًا ولكنه مثير للجدل من الناحية السياسية حيث من المرجح أن تعترض المجتمعات المحلية على خطوط الأنابيب والحفر. قال متحدث باسم شركة Ineos إن الشركة لم تعلن التكلفة التقديرية لتخزين ثاني أكسيد الكربون. وقال إن احتجاز الكربون وتخزينه كان في مرحلة مبكرة من التطوير وإن الشركة تعمل على خفض التكاليف. في ديسمبر 2020، خصصت الحكومة الدنماركية 197 مليون كرونة دانمركية (25 مليون دولار) لتطوير وإثبات تخزين ثاني أكسيد الكربون في بحر الشمال. تريد الحكومة أن تخزن المشاريع الثلاثة 13 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا اعتبارًا من عام 2030 فصاعدًا. وتقدر أن حقول نفط بحر الشمال المستنفدة يمكن أن تخزن 22 مليار طن إجمالاً، أي ما يعادل أكثر من 500 عام من انبعاثات الدنمارك الحالية. إن تكاليف استخراج ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وليس من المدخنة، أعلى حتى من التكنولوجيا في مرحلة مبكرة. إنها أكثر تكلفة لأن الهواء أقل تلوثًا وبالتالي يلزم توفير المزيد من الطاقة لامتصاص نفس الكمية من ثاني أكسيد الكربون. قدر العلماء التكلفة بما يتراوح بين 60 دولارًا للطن و1000 دولار للطن، مع وجود أدلة أقل في النهاية الأرخص. مع ارتفاع درجة حرارة العالم بأكثر من 1.5 درجة مئوية، يتوقع علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن إزالة الكربون من المرجح أن تكون ضرورية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، خاصة في النصف الثاني من القرن.

إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجوّ ضرورة لا مفر منها

لن يكفي تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وحده لتجنّب أسوأ تداعيات التغير المناخي، بحسب مقتطفات من تقرير لخبراء أمميين من المرتقب صدوره الإثنين يوصي بالاستعانة بتقنيات لـ “إزالة” ثاني أكسيد الكربون.

وفي ظلّ تهاون الجهود راهنا، لا بدّ من خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 5 أو 6 بالمئة في السنة على أمل الإيفاء بالتعهد المقطوع في اتفاق باريس والقاضي بحصر ارتفاع حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين بكثير مقارنة مع العصر ما قبل الصناعي. وينبغي خفض الانبعاثات بعد أكثر لاحتواء الاحترار بـ 1,5 درجة مئوية.

وعلى سبيل المقارنة، بلغ انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون 5,6 بالمئة “لا غير” خلال توقّف عجلة الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كوفيد-19 في 2020، قبل أن تعاود الانبعاثات ارتفاعها. لذا، تشتدّ الحاجة إلى الاستعانة بتقنيات لإزالة ثاني أكسيد الكربون أو ما يعرف بـ “الانبعاثات السلبية”. لكن “كي تؤتي هذه التكنولوجيا ثمارها، لا بدّ من خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تراوح بين 80 و90 بالمئة”، بحسب غلين بيترز من المركز الدولي للأبحاث المناخية في أوسلو.

وحتّى لو تسنّى بلوغ هذه الغاية، ستبقى مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي ينبغي إزالتها من الغلاف الجوّي كلّ سنة حتّى 2050. وستكون هذه التكنولوجيا ضرورية للقطاعات العاجزة على ما يبدو عن نزع الكربون بحلول 2050، مثل الطيران والنقل البحري وصناعة الإسمنت، وأساسية لتبريد الغلاف الجوّي إذا ما تخطّى الاحترار المستويات القصوى المنصوص عليها في اتفاق باريس.

لا تزال تقنيات إزالة الكربون حتّى الساعة بعيدة كلّ البعد عن النجاعة المنشودة. فأكبر منشأة في العالم لامتصاص الكربون مباشرة من الجوّ تقضي في سنة واحدة على ما تصدره البشرية من انبعاثات في خلال ثلاث أو أربع ثوان.

تتوفّر راهنا حوالي 12 تقنية على الأقلّ لهذا الغرض، بقدرات وأسعار مختلفة، وفق الدراسات المرجعية التي قد تستند إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها المرتقب صدوره الاثنين والذي سيخصّص للحلول المتاحة لجبه التغير المناخي.

 

طاقة حيوية
تقوم الطاقة الحيوية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه على إنماء أشجار تمتصّ هذا الغاز خلال نموّها ثمّ حرقها لتوليد طاقة (كتلة إحيائية) وطمر ثاني أكسيد الكربون المتأتي من هذه العملية في مناجم مهملة مثلا. لكن لا بدّ من أن تتبلور على أرض الواقع نتائج هذه التقنية التي لا تزال جدواها مبدئية.

وقد سُحب أحد المشاريع القليلة في العالم المطوّرة على الصعيد التجاري لهذه الغاية في بريطانيا من مؤشّر “ستاندرد أند بورز للطاقة النظيفة” إثر عدم استيفائه معايير الاستدامة.

زرع الأشجار
من الحلول الأخرى المقدّمة، ترميم الغابات وزرع الأشجار لامتصاص ثاني أكسيد الكربون واحتجازه من خلال التمثيل الضوئي. وترتكز عدّة شركات، بما فيها تلك المنتجة للطاقة الأحفورية، بدرجة كبيرة على هذه المساحات المستزرعة “للتعويض” عن انبعاثاتها. غير أن المساحة اللازمة لخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون خفضا ملموسا من خلال زرع الأشجار والتي قد تصل إلى ضعف مساحة الهند تنعكس سلبا على أولويات أخرى، مثل الزراعة المخصصة لتوفير المواد الغذائية، وصون التنوّع الحيوي.

قد تكون الغابات الجديدة عرضة للحرائق التي تتكاثر في ظلّ اشتداد الاحترار، ما قد يطلق في الهواء كلّ ثاني أكسيد الكربون المحتجز فيها.

امتصاص مباشر
من التكنولوجيات الحديثة التي تثير أكبر قدر من الاهتمام، الامتصاص المباشر للكربون من الجوّ واحتباسه. وتساعد عمليات كيميائية على استخراج الكربون وتحويله إلى مادة صلبة أو طمره. لكن، بما أن ثاني أكسيد الكربون واسع الانتشار في الجوّ، فإن هذه التقنية تستهلك طاقة كبيرة وتكلّف غاليا. حتّى لو كانت هذه التكنولوجيات الابتكارية تحظى باهتمام كبار الشخصيات، مثل إلون ماسك، وتمويلها، فهي تبقى باهظة الثمن وموضع شكّ في ما يخصّ سرعة تطويرها.

الصخور والمحيطات
تقوم إحدى التقنيات على قطع صخور غنية بالمعادن التي تمتصّ ثاني أكسيد الكربون وسحقها ثم نشرها في التربة أو المياه. والهدف هو تسريع وتيرة هذا المسار الممتدّ عادة على عشرات آلاف السنين في الطبيعة. ويبقى السؤال أن نعرف إذا كان من الممكن تطبيق العملية على نطاق واسع بما يكفي وبأيّ ثمن.

وتمتصّ المحيطات بدورها أكثر من 30 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية ويختبر العلماء وسائل لتوطيد هذه القدرات، من خلال مثلا تعزيز القلوية البحرية اصطناعيا أو “تخصيب” المحيطات، أي زيادة كثافة العوالق النباتية التي تحتجز الكربون العضوي من خلال التمثيل الضوئي. لكن ليس من المعلوم بعد ما هي تداعيات هذه الاستراتيجيات على النظم البيئية وكيف يمكن استنساخ هذه الوسيلة على نطاق أوسع.