الاتحاد الأوروبي يلجأ إلى دول التعاون الخليجي لتأمين إمدادات الطاقة

وافق مجلس الاتحاد الأوروبي على شراكة إستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، تشمل مجموعة واسعة من المجالات الرئيسة، من بينها تغير المناخ والتحول الأخضر وأمن الطاقة والتحديات الأمنية العالمية والإقليمية. وشدد المجلس -في وثيقة اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- على أن بناء شراكة إستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، تُعد أولوية رئيسة للاتحاد الأوروبي. وسيستخدم الاتحاد الأوروبي جميع أدواته، بما في ذلك الصفقة الخضراء، لضمان التنفيذ الفعّال والسريع لهذه الشراكة الإستراتيجية الجديدة مع منطقة الخليج.

تعاون وثيق بين أوروبا والخليج
أكد المجلس الأوروبي ترحيبه بالاتصال المشترك للمفوضية الأوروبية والممثل السامي، بوصفه خريطة طريق عملية نحو شراكة إستراتيجية مع الشركاء الخليجيين، داعيًا إلى تنفيذها بسرعة وفاعلية. وأشار إلى أن التعاون الوثيق والفعّال بين الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيين “ضروري لتحقيق الأهداف الرئيسة للاتحاد”، وتحقيق انتعاش اقتصادي قوي، وإمدادات طاقة مستدامة وميسورة التكلفة وآمنة للمستهلكين الأوروبيين.

ويتعلق هذا التعاون بالانتقال الأخضر بين أوروبا وشركائها، للمساهمة في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والاستجابة القوية للاحتياجات الإنسانية والإنمائية العالمية، وفق ما جاء في الوثيقة التي أصدرها المجلس الأوروبي. وشدد على أن منطقة الخليج المستقرة الآمنة والخضراء والمزدهرة تُعد أولوية إستراتيجية مشتركة ومصلحة أساسية لكل من الاتحاد الأوروبي وشركائه الخليجيين.

وأكد المجلس، الترابط المتبادل والحاجة إلى التعاون الوثيق، في وقت يتسم بانعدام الأمن والتحديات الكبيرة، وبينما يواجه العالم عواقب العدوان الروسي على أوكرانيا، والانتعاش الاقتصادي المستدام بعد جائحة كورونا، والتحول الأخضر، وأزمة المناخ، والتحول الرقمي، والحاجة إلى حل النزاعات بشكل مستدام.

تغير المناخ والحياد الكربوني
أوضح المجلس الأوروبي -خلال اجتماعه اليوم الإثنين في لوكسمبرغ- أن مكافحة تغير المناخ وتسريع الانتقال العادل نحو الحياد المناخي يُعدان من التحديات الرئيسة المشتركة ومجالات التعاون الوثيق، لا سيما في ضوء قمتي المناخ كوب 27 وكوب 28 المقرر عقدهما في مصر والإمارات على التوالي.

ويشجع الاتحاد الأوروبي شركاء الخليج على تحديث مساهماتهم المحددة وطنيًا، والإبلاغ عن إستراتيجيات المناخ طويلة الأجل، وتسريع العمل المناخي الطموح، وتكثيف التحول الأخضر بما يتماشى مع تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

كما يشجعهم على المشاركة بنشاط في المنصة الدولية للتمويل المستدام، مشيرًا إلى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، والمبادرة الخضراء السعودية، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والتعهد العالمي بشأن الميثان، بوصفها خير مثال على تنسيق العمل نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس.

وفي سياقٍ متصل، ذكر المجلس الأوروبي أن التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي والخليج ضروري أيضًا لتحقيق أهداف التنوع البيولوجي الطموحة لجدول أعمال الأمم المتحدة 2030، في ضوء اتفاقية التنوع البيولوجي كوب 15 في وقت لاحق من هذا العام.

علاوة على ذلك، يُعد الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري واستخدامه المستدام، بما في ذلك الحد من الانبعاثات من النقل البحري أولوية مشتركة أيضًا نظرًا لارتفاع حجم الشحن في منطقة الخليج، وفق المعلومات التي جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتُعد إدارة النفايات، والاقتصاد الدائري، وإعادة التدوير، وبناء أنظمة غذائية مستدامة وصديقة للبيئة، ومكافحة التصحر، من المجالات الحاسمة التي يجب أن يتبادل فيها الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيون الخبرات ويعملون معًا بشكل وثيق.

إمدادات الغاز المسال والهيدروجين
الشراكة القوية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي ضرورية أيضًا في سياق أمن الطاقة والتحول الأخضر. إذ أشارت الوثيقة -التي تتكون من 21 بندًا- إلى أنه يُمكن للاتحاد الأوروبي ودول الخليج تحقيق مكاسب في اعتماد توفير الطاقة وكفاءتها لتقليل كثافة الطاقة، إذ يُمكن لدول الاتحاد الأوروبي توفير التقنيات والمهارات مع إشارة خاصة للتخزين والنقل. وشدد المجلس على أن شركاء الخليج هم مزودون موثوقون للغاز الطبيعي المسال للأسواق الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، للحد من تقلب الأسواق العالمية، وضمان الانتقال السلس.

كما يُمكن أن يعمل شركاء الاتحاد الأوروبي والخليج معًا لدعم الجهود العالمية للحد من انبعاثات غاز الميثان، والمساهمة في إزالة الكربون عن قطاع النفط والغاز. وأكد المجلس أن التعاون سيكون مفيدًا للطرفين، في ضوء إمكاناتهما الرائعة لقيادة الانتقال نحو إزالة الكربون، وأن يصبحا مصدرين رئيسين للطاقة المتجددة والهيدروجين المتجدد.

وبحسب الوثيقة التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، يجب على شركاء الاتحاد الأوروبي والخليج استكشاف كيفية بناء أسواق للهيدروجين المتجدد، التي تمكّن من تحقيق مستقبل يمكن أن تصبح فيه دول الخليج موردًا موثوقًا به للطاقة المتجددة إلى الاتحاد الأوروبي.

ونظرًا لأهمية تكامل الطاقة الإقليمي، سيجري أيضًا استكشاف الفرص للاستثمارات الإقليمية والتعاون الثلاثي مع شركاء الخليج، استنادًا إلى شراكة الهيدروجين الأخضر في البحر الأبيض المتوسط المستقبلية، بالإضافة إلى البناء على المشروعات القائمة في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط.

كما يؤيد المجلس مقترحات المفوضية لإنشاء فريق من مجموعة خبراء الطاقة والمناخ بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وعقد اجتماعات وزارية قطاعية سنوية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن تلك الجوانب.

النرويج تلغي تصاريح التنقيب عن النفط بـ3 مربعات مقابل صفقة مع المعارضة

في الوقت الذي تسعى خلاله النرويج لزيادة عمليات التنقيب عن النفط -لا سيما في مناطق بحر بارنتس- لتعويض غياب إمدادات الطاقة الروسية عن الدول الأوروبية، اصطدمت بخلاف مع المعارضة أدى إلى تغيير المشهد.

ومارست المعارضة النرويجية -ممثلة في اليسار الاشتراكي- ضغوطًا على الحكومة لإلغاء تصاريح التنقيب عن النفط الخاصة بـ3 مربعات في القطب الشمالي وبحر بارنتس من جولة تراخيص شركات النفط، مقابل تأييدها الميزانية الحكومية لعام 2022، وفق رويترز.

ويأتي ذلك في حين تؤدي النرويج دورًا مهمًا بصفتها ثاني أكبر مُزود لأوروبا بالنفط والغاز عقب روسيا، واللاعب الأبرز في الآونة الحالية عقب خضوع إمدادات موسكو للعقوبات الدولية إثر غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

تصاريح بحر بارنتس
استجابت الحكومة إلى طلب المعارضة ووافقت على عدم إدراج المربعات البحرية الـ3 في بحر بارنتس ضمن جولة التراخيص، ما أدى إلى عدم منح تراخيص التنقيب عن النفط إلى أي من الشركات أو بدء أعمال الحفر بها حتى الآن.

ولاقى قرار الحكومة إلغاء تصاريح التنقيب ردود أفعال غاضبة من رابطة النفط والغاز النرويجية، إذ وصفت قرار إلغاء تصاريح المربعات النفطية الـ3 في بحر بارنتس من جولة التراخيص المقبلة بأنه جاء مخيبًا للآمال، لا سيما أنها تأتي بالتزامن مع الرغبة الأوروبية في الاستقلال عن الإمدادات الروسية.

وفي المقابل، أكد أحد أعضاء المعارضة من اليسار الاشتراكي أنه رغم موافقة البرلمان على مقترحات الاستكشاف بالمربعات النفطية في بحر بارنتس، فإن الحكومة لن تتقدم بمقترحات مشابهة طبقًا لاتفاقها مع المعارضة.

يُشار في هذا الشأن إلى أن نشطاء المناخ يرون أن عمليات التنقيب عن النفط تهدد التنوع البيولوجي لا سيما في مناطق القطب الشمالي، لأن المياه القريبة من التجمعات الجليدية تعد مصدر تغذية للعوالق الحيوانية والحيتان والدببة القطبية.

التنقيب عن النفط في النرويج
في الوقت الذي نجحت فيه المعارضة بتقييد عمليات التنقيب عن النفط ومنع تراخيص 3 مربعات في بحر بارنتس، كانت شركات النفط والغاز في النرويج على أهبة الاستعداد لمضاعفة استثماراتها لعام 2022 الجاري.

واكتسبت تلك الشركات إقبالها على المزيد من الاستثمارات من النظرة المتفائلة لأسعار النفط المرتفعة، وتوقعت أن تبلغ قيمة استثماراتها ما يصل إلى 17.57 مليار دولار خلال العام الجاري، بعدما قدرت تلك الاستثمارات بمستويات أقل في فبراير/شباط الماضي.

وفي مثال على ذلك، استفادت شركة النفط النرويجية المستقلة “أكر بي بي” من ارتفاع أسعار الوقود العالمية في تعزيز أرباحها خلال الربع الأول من العام الجاري، من يناير/كانون الثاني حتى نهاية مارس/آذار.

ورغم تلك القيود، ما زالت الاكتشافات النفطية في النرويج متواصلة، إذ أعلنت شركة إكوينور -قبل أيام قليلة- اكتشافًا نفطيًا جديدًا لها بحقل يوهان كاتسبيرغ ليلحق باكتشاف آخر بالمنطقة سبقه بمدة وجيزة.

زراعة الكربون.. تقنية جديدة لمواجهة تغير المناخ

ظهرت خلال المدة الأخيرة تقنية جديدة، يطلق عليها زراعة الكربون، لتُقدِّم أحد الحلول المطروحة لمواجهة أزمة التغير المناخي. التقنية الجديدة واحدة من بين العديد من التقنيات التي تظهر بين الحين والآخر، لمواجهة ارتفاع انبعاثات الكربون، التي باتت تهدد كوكب الأرض.

تعمل زراعة الكربون على تغيير الممارسات الزراعية، أو استخدام الأراضي لزيادة كمية الكربون المخزّنة في التربة والغطاء النباتي للتقليل من انبعاثات غازات القطاع الزراعي والتخفيف من آثار التغير المناخي. وتعتمد التقنيات الجديدة على أساليب زراعية يمكنها احتجاز الكربون المنتشر جويًا في التربة الزراعية وجذور النباتات والمحاصيل وأخشاب الأشجار وأوراقها.

 

انبعاثات القطاع الزراعي
يسهم القطاع الزراعي في أوروبا، سنويًا، بإطلاق ملايين الأطنان من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وفي الوقت ذاته يمكن أن يسهم القطاع في حلّ مشكلات الانبعاثات والحدّ من تغير المناخ.

من المحتمل أن تقدّم زراعة الكربون حوافز مالية لأصحاب الأراضي للحدّ من التلوث الكربوني، ولكن يجب أن تهدف دائمًا إلى تحقيق العديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية المشتركة، ويمكن لإدارة الصناعات الأولية والتنمية الإقليمية تقديم تقييمات علمية للجدوى الفنية والمخاطر.

هناك العديد من الطرق للقيام بعمليات زراعة الكربون، تتصمن تعديلات صغيرة على مستوى المزرعة، مثل استخدام الأسمدة الغنية بالكربون، أو تقليل -أو عدم- حرث الأرض، أو زراعة محاصيل الغطاء، وصولًا إلى التغييرات في نظام الزراعة بأكمله، مثل تناوب المحاصيل المخصب أو الزراعة الحراجية.

 

زراعة الكربون في أوروبا
تشجع مبادرة الاتحاد الأوروبي المزارعين على إجراء تغييرات، مثل استخدام الأسمدة الغنية بالكربون، وتقليل الحرث الذي يفسد التربة، وزراعة الأشجار والمحاصيل التي يمكن أن تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

يموّل الاتحاد الأوروبي مشروعات رائدة لزراعة الكربون، تستهدف تحسين صحة التربة الزراعية لمعالجة تغير المناخ، في بلجيكا وهولندا وألمانيا والنرويج لبيع أرصدة الكربون مقابل احتجاز الكربون في أراضيهم الزراعية.

في بداية عام 2022، جعلت رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي الفرنسي من التنقية الجديدة إحدى أولويات سياستها الزراعية، وهناك العديد من من المزروعات التي اعتمدها المزارعون في أوروبا، مثل البرسيم والليمون والهندباء، والتي يمكنها عزل ثاني أكسيد الكربون طول العام.

 

تحسين صحة التربة
يأمل الاتحاد الأوروبي في أن يساعد منح المزارعين حافزًا ماليًا على تحويل المزيد من الأراضي الزراعية بشكل متزايد من أن تكون مصدرًا للانبعاثات الكربونية إلى أن تكون مخزنًا للكربون.

وتعدّ مبادرة زراعة الكربون جزءًا من الصفقة الأوروبية الخضراء، وهي خريطة طريق الاتحاد الأوروبي لتصبح محايدة مناخيًا بحلول عام 2050، إذ يُقدَّر أن أكثر من 385 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون تأتي من الزراعة الأوروبية، وفقًا لبيانات وكالة البيئة الأوروبية، وهو ما يزيد قليلًا عن 10% من إجمالي انبعاثات الكتلة الحيوية.

وتعدّ التربة مخزونًا حيويًا للكربون، ولكن في ممارسات الزراعة الصناعية، بدلًا من امتصاص ثاني أكسيد الكربون، غالبًا ما تطلقه في الغلاف الجوي، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي ممارسات الحرث غير المستدامة إلى تدهور التربة. وأشارت العديد من المصادر إلى أن محتوى الكربون في التربة هو عامل جيد لصحة التربة، وأدت ممارسات الزراعة المكثفة في أوروبا إلى إتلاف التربة على مدى العقود الأخيرة.

وجدت دراسة أجرتها المفوضية الأوروبية عام 2020، أن نحو 60-70% من تربة الاتحاد الأوروبي متدهورة حاليًا، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير للزراعة المكثفة، أو استخدام المبيدات الحشرية، أو الري المفرط.

الزراعة دون حرث، إحدى طرق تحسين صحة التربة، وتشمل التقنيات الأخرى لمساعدة التربة على الاحتفاظ بالكربون تناوب المحاصيل وزراعة محاصيل الغطاء في الأراضي البور للحفاظ على النيتروجين في التربة، واستخدام السماد بدلًا من الأسمدة الكيماوية. وتحمي هذه الممارسات أيضًا العناصر الغذائية الأساسية الأخرى في التربة التي تحتاجها النباتات للنمو، مما يقلل بدوره من الحاجة إلى الكيماويات الزراعية

 

انتقادات لخطط تعويض الكربون
تعرضت خطط تعويض الكربون لانتقادات منذ مدة طويلة، لأنها سمحت للشركات والأفراد والدول إلى شراء أرصدة الكربون لتعويض انبعاثاتهم، وتحقيق أهداف صافي الصفر.

وفي رسالة إلى الكونغرس الأميركي، العام الماضي، طلبت أكثر من 200 منظمة غير حكومية من المشرّعين معارضة مشروع قانون، قيد المناقشة حاليًا في مجلس النواب، يمكن أن يشرّع مبادرة لزراعة الكربون في الولايات المتحدة. ويجادل الموقعون أنه يمكن لمحطات الطاقة ومصافي التكرير وغيرها من الملوثات شراء أرصدة الكربون هذه لتعويض انبعاثاتها، أو حتى زيادتها، بدلصا من تقليلها والقضاء عليها فعليًا.

واجتذبت زراعة الكربون العديد من الشركات متعددة الجنسيات، فعلى سبيل المثال، قامت شركة مايكروسوفت بشراء أكثر من 4 ملايين دولار (3.6 مليون يورو) من أرصدة الكربون الناتجة عن المزارعين الأميركيين الذين يقومون بتجربة مشروعات زراعة الكربون منذ عام 2021، لتعويض انبعاثات شركة التكنولوجيا العملاقة.

لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.. ألمانيا تدعم شركاتها بأكثر من 5 مليارات دولار

تزداد أزمة أسعار الطاقة في أوروبا سوءًا يومًا تلو الآخر، مع تكثيف العقوبات الغربية على روسيا -أحد أهم منتجي النفط والغاز في العالم- التي مدّت القارة العجوز باحتياجاتها من الغاز والنفط لعقود طويلة، قبل أن يتعكر صفو العلاقات بينهما بسبب الهجوم على أوكرانيا الذي اندلعت شرارته الأولى في فبراير/شباط الماضي.

ولا تقتصر العواقب الوخيمة للارتفاعات الحادة في أسعار الطاقة على المستهلكين الأوروبيين فقط، وإنما امتد الأمر ليشمل الشركات التي تكبدت خسائر مالية كبيرة بسبب الارتفاعات في أسعار الغاز والكهرباء.

وفي محاولة منها للتخفيف من وطأة تلك الارتفاعات على القطاع الصناعي، وحماية الشركات من الإفلاس، تخطّط الحكومة الألمانية -أكبر اقتصاد في أوروبا- لدعم الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة بحزمة مساعدات قيمتها 5 مليارات يورو (5.36 مليار دولار)، بحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الألمانية التي نقلتها وكالة رويترز.

وأظهر مسح أجراه معهد إيفو للبحوث الاقتصادية في ميونخ على 1100 شركة ألمانية، في نهاية أبريل/نيسان الماضي، أن قرابة 40% من الشركات تشعر بوطأة أسعار الطاقة القياسية، وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ نصف الشركات قرارًا بتقليص الاستثمارات.

وبحسب الاستطلاع تخطّط 90% من الشركات لرفع الأسعار لمواجهة الزيادة في تكاليف الطاقة، وتعتزم ثلاثة أرباع الشركات زيادة الاستثمار في كفاءة الطاقة.

 

قطع إمدادات الطاقة الروسية عن ألمانيا
قالت شركة غازبروم الروسية -في وقت سابق- إنها ستعلّق صادرات الغاز إلى شركة شل، بسبب رفض الشركة الدفع بالروبل. وأفادت عملاق الطاقة الروسية المملوكة للدولة، في بيان لها على حسابها بموقع تليغرام: “تلقينا إخطارًا من شركة شل إنرجي أوروبا، بأنها لا تنوي سداد مدفوعات عقد توريد الغاز لألمانيا بالروبل”.

وقالت غازبروم، إن شل ستفقد ما يصل إلى 1.2 مليار متر مكعب من إمدادات الغاز السنوية، وهو جزء ضئيل من 95 مليار متر مكعب تستهلكها ألمانيا سنويًا، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية، التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ولكن من المرجح أن تؤثر هذه الخطوة في الصناعة الألمانية التي تعتمد بشدة على غاز موسكو، بحسب موقع سي إن إن. وتحصل ألمانيا على نحو 35% من إمداداتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتسعى ألمانيا إلى التخلص نهائيًا من وارداتها من غاز موسكو بحلول منتصف عام 2024.

وفي مارس/آذار الماضي، هدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقطع شحنات الغاز إلى الدول “غير الصديقة” التي ترفض الدفع بالروبل، بدلًا من اليورو أو الدولارات المنصوص عليها في العقود.

ومنذ ذلك الحين، قدمت شركة غازبروم إلى العملاء حلًا يتمثل في تمكين المشترين من سداد المدفوعات باليورو أو بالدولار في حساب مصرف “غازبروم” الذي من شأنه بعد ذلك تحويل الأموال إلى روبل وتحويلها إلى حساب آخر يُدفع من خلاله إلى روسيا.

وخلال الشهرين الأولين من الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت ألمانيا أكبر مشترٍ للوقود الأحفوري الروسي، إذ أنفقت 8.3 مليار يورو (8.9 مليار دولار) على الواردات من موسكو، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (كريا).

برلمانيون أوروبيون يجب أن تصبح قطر شريكا رئيسيا في مجال الطاقة لأوروبا

أظهرت الحرب التي تتصاعد في أوكرانيا منذ أكثر من شهر مدى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ووصت مجموعة من 7 برلمانيين أوروبيين من فرنسا بضرورة تنويع مصادر مستوردات هذه القارة في أسرع وقت ممكن، مما يقتضي زيادة التعاون مع قطر؛ المنتج الرئيسي للغاز الطبيعي المسال. واستعرضت صحيفة “لاتريبون” الفرنسية توصيات البرلمانيين لفرنسا بأن تحذو حذو ألمانيا التي عقدت مؤخرا اتفاقا مع قطر لتطوير علاقة طويلة الأمد لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من أجل تقليل اعتمادها على روسيا، الذي بلغ 55% من وارداتها.

 

قضايا أمنية حيوية

وقال البرلمانيون إن الأزمة العنيفة التي تمر بها القارة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا خلقت تحديات سياسية واقتصادية ومالية كبيرة، وعلى فرنسا -تحت ضغط القضايا الأمنية الحيوية لأوروبا- أن تعزز الشراكات القوية التي ستحميها من النقص كما فعلت ألمانيا، لأن الأزمة أثبتت أن إمدادات الغاز في أوروبا لا يجوز أن تعتمد فقط على عدد صغير من الموردين، لأن ذلك يقيد القارة عند حدوث أي متغيرات جديدة كما هي الحال مع روسيا التي فرضت عليها أوروبا مجموعة كبيرة من العقوبات الاقتصادية، ولكنها غير قادرة على فرض حظر على الغاز الروسي.

ورأى البرلمانيون أن فرنسا وألمانيا -أكبر اللاعبين الأوروبيين- يجب أن تضمنا أمن طاقتهما في أسرع وقت ممكن عبر تكثيف التعاون مع شركائهما الموثوق فيهم، ويجب أن تكون قطر أحد هؤلاء، وأن تلعب دورا رئيسيا في السنوات القادمة في إمدادات الطاقة لدينا، وفهمت ألمانيا ذلك، ويجب على فرنسا أن تدركه في أسرع وقت ممكن، حسب الصحيفة.

 

غاز فرنسا 20% يأتي من روسيا

ولأن الاستعداد للشتاء القادم يبدأ من الآن -كما يقول البرلمانيون- مع استمرار القلق من أن الحرب في أوكرانيا قد لا تنتهي، وأن الأمور قد تتعقد بالنسبة لنا إذا لم نعزز تحالفاتنا في مجال الطاقة قبل حلول ذلك الوقت، فإن الحل الطبيعي الذي عمل عليه المفاوضون الأميركيون منذ بداية الحرب هو احتمال أن تعوّض قطر نقص الإمدادات الروسية من أجل تجنب النقص أو ارتفاع الأسعار، وبالتالي على فرنسا أن تبادر لهذا الموضوع لأن 20% من غازها يأتي من روسيا.

ومن المعروف أن قطر شريك أساسي في مجال الطاقة والأمن بالنسبة لنا -كما يقول النواب- فقد لعبت دورا حاسما في إنتاج الغاز، لا سيما في التسليم السريع، وهي اليوم من المنتجين الكبار للغاز في العالم، بعد بناء أكبر مصنع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال على هذا الكوكب، وبالتالي يمكنها تلبية الطلب المتزايد من أوروبا، كما لديها “كيو ماكس”؛ أكبر ناقلات للغاز الطبيعي المسال التي تسمح بالتصدير والعائد الأقصى والسريع. وذكر النواب أن لدى أوروبا إمكانات هائلة في الوقت الحالي لتقوية تحالفها مع دولة مستقرة ومزدهرة، و”لديها كل ما نحتاجه لضمان استقلال طاقتنا عن روسيا. وتعزيز اتفاقياتنا مع قطر يعني بالتأكيد استكشاف ضمان طويل الأجل لأمن توريد الغاز الطبيعي المسال”.

 

حلفاء موثوق فيهم

في الأوقات الصعبة التي نمر بها -كما يقول البرلمانيون الفرنسيون- نحتاج إلى أن نكون قادرين على الاعتماد على حلفاء موثوق فيهم، وفرنسا تعرف أن بإمكانها الاعتماد على قطر في إمداداتها وحتى من أجل أمنها، منذ أن أصبحت الدوحة -بصفتها مناصرة للتعددية- ذات أهمية متزايدة على الساحة الدولية، ومنذ أن أصبحت وسيطا في الأزمات بعد أن قامت بدور رئيسي في المفاوضات في أفغانستان، وفي إعادة آلاف الرعايا الغربيين والمتعاونين معهم من كابل أثناء استيلاء طالبان على الحكم الصيف الماضي.

وقدمت الدوحة مؤخرا دعمها للأوروبيين والأوكرانيين في الأزمة التي تمر بها القارة، وهذا يوضح بشكل جيد الملاحظات التي أدلى بها قبل بضعة أشهر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عندما وصف قطر بأنها منصة جديدة للحوار العالمي، وذلك نتيجة لإستراتيجية طويلة نفذتها الدوحة على مدى سنوات، حسب ما ذكرته صحيفة لاتريبون.